أثبتت التجارب كلها حتى اليوم أنّ الوسيط القطري المكلّف ملف العسكريين المخطوفين لن يجترحَ المعجزات، فمفتاح الحلّ في مكانٍ آخر. وثمّة مَن يعتقد أنّ القفل موجود في أنقرة التي تحتَفظ به لألف سببٍ وسبب، وهو ما ربط مصير المخطوفين بما يمكن أن تقود اليه التطوّرات الإقليمية من كوباني الى جرود عرسال.

 

على رغم فقدان أيّ معلومات جدّية وتفصيلية عما أنجَزته حركة الإتصالات المستمرة عبر المراجع اللبنانية والقطرية المكلّفة تأمين الإفراج عن العسكريين المخطوفين، تبدو الساحة مفتوحة على مسلسل طويل من الروايات المتعددة والمتناقضة.

 

فمطالب الخاطفين ليست واضحة ونهائية، وهي قابلة للتأويل وتتبدّل، كما يُبدّلون مفاوضيهم بين أسبوع وآخر، وهذا ما حصل أمس بظهور قائد - مفاوض جديد للمسلّحين. وتُضاف اليها السيناريوهات الغامضة التي تتحدّث عن مخارج وحلول تبدو أكثر غموضاً.

 

ويمكن اعتبار ما نُشر منها مشاريع يتيمة لا يتبنّاها أحد طالما أنها منسوبة الى أوساط مطلعة تفتقد الصدقية ما يجعل أكثريتها وباعتراف المعنيين على لائحة السيناريوهات الفاشلة، لئلّا يُقال إنها مجرد افكار.

 

حركة الإتصالات التي تقودها خلية الأزمة الوزارية بإدارة رئيس الحكومة تمام سلام، تسير في بحرٍ كبير من الغموض، ربما عن قصد بهدف حماية المفاوضات، ولم يُفهم ما آلت إليه بعد. وحتى الأمس لم يقدم أحد من اعضاء اللجنة أيّ إشارة حاسمة الى حصيلة المشاورات سوى تلك المتداولة في جلسات مجلس الوزراء والتي بقيَت في الإطار النظري سعياً الى تحديد هوامش الحركة الدنيا والقصوى للمفاوض اللبناني، وما يتّصل بالخطوط الحمر التي لا يمكن تجاوزها.

 

وعندما قيل إنّ مطالب الخاطفين تعجيزية ولا يمكن مقاربتها بعد، كان مفهوماً أنها المرحلة الأولى من المفاوضات التي تعلو فيها لائحة الشروط وتُلامس التعجيزية منها. ولكن بعد إنطلاقة الحوار والنقاش حُكيَ الكثير عن منطق «المقايضة وفق القواعد القانونية»، وهو أمرٌ غير موجود في القاموس القانوني وتوصيفاته، والحديث عن التبادل بين المخطوفين والموقوفين الإسلاميين في سجن رومية بات من التاريخ وعطّلته عوائق كبيرة.

 

على هذه الخلفيات، لا يبدو أنّ تقدّماً ملموساً قد تحقق، لذلك تطرح المراجع المتابعة أكثر من سؤال حيال حجم وصدقية الوعود التي تُقطع لأهالي العسكريين للتخفيف من خطواتهم التصعيدية، والتي قادت إليها رسائل الخاطفين وموجة الضغوط النفسية التي شُنَّت عليهم، فاعتقدوا صادقين أنهم يطيلون أعمار ابنائهم ويؤجلون عملية الذبح والنحر والإغتيال التي ظهَر أنها قد توقفت بقدرة قادر.

 

فليس هناك مَن يُصدّق تعهّدات قطعها الخاطفون بوقف هذه العمليات، ذلك أنّ حاجتهم الى المخطوفين أحياء على ابواب شتاء عاصف وحصار منتظر، يدفع الى حمايتهم برموش العين.

 

لذلك، توجّهت الأنظار الى وسائل أخرى خضعت للتجربة العملية ولا تزال قيد الإختبار في انتظار ما يمكن أن تؤول اليه. ومنها على سبيل المثال لا الحصر أنّ مرجعاً أمنياً أحضر الى مكتبه الموقوف عماد جمعة ليتحدّث الى الخاطفين الذين كانوا في إمرته على أمل إحداث خرق ما، ولم تتّضح نتائج التجربة بعد.

 

وثمّة مَن يقول إنّ عدداً من الموقوفين الإسلاميين الذين رفضوا إخلاءهم عن طريق المقايضة مفضّلين الآلية القضائية التي تقفل ملفاتهم، وافقوا على المشاركة في هذه الإتصالات لتعطيل شرط الإفراج عنهم بعدما اعتُبر عن حقّ سقوطاً للسلطة القضائية، وهو أمرٌ لا يمكن القيام به. علماً أنّ هناك إجراءاتٍ تخفيفية يمكن اللجوء اليها في لحظة من اللحظات، قد تُؤمّن هذا المطلب.

 

والى أن تُثبِت هذه المحاولات جدواها، كشف أحد المعنيين أنّ المبادرة القطرية دخلت مرحلةَ الجمود لئلّا يُقال الفشل. وقد ثبُت بالوجه الشرعي أنّ مفتاح الأزمة ما زال موجوداً في أنقرة، ينتظر مَن يشغله، فيما القيادة التركية مشغولة بملفات كثيرة لجهة علاقاتها مع الحلف الدولي والولايات المتحدة بحثاً عمّا يرضي طموحها بدورٍ أكبر في سوريا. والى ذلك الحين... فلننتظر!

 

(جورج شاهين)