قفز إسم شبعا الى الواجهة مجدّداً بعدما أُثيرت مخاوف من تسلّل جماعات إرهابية تابعة لـ"جبهة النصرة" و"داعش" إليها، في تكرارٍ لمشهد عرسال، فيما عادت الى أذهان الأهالي واللبنانيين تجربة "فتح لاند" التي كانت مدخلاً لدمار البلد ودخول العنصر الفلسطيني عاملاً مفجّراً للوضع الداخلي من بوابة شبعا والعرقوب.
يَعلم الذي يتوجّه الى شبعا أنّه يقصد منطقة نائية تأتي في نهاية سلّم أولويات الدولة، لكنّ نكبتها نكبتان، فالحدود اللبنانية الممتدّة من الشمال الى البقاع والجنوب هي بوابة الحرب والأزمات.
ولسوء حظ شبعا، أنّها تقع على تلاقي خطَّي الحدود المتفجّرة، أيْ الحدود مع إسرائيل وسوريا، وهذا الواقع يُرخي بظلاله على البلدة التي لا تزال مزارعها محتلّة إضافة الى تلال كفرشوبا، ما يُبقي عنصر التفجير جاهزاً، حيث يتذرّع "حزب الله" بتنفيذ عمليات مقاومة، إذ من أطرافها إنطلقت شرارة حرب تموز 2006 بعدما أسَر الحزب جنديَّين إسرائيليَين.
7000 نازح
تدخل شبعا من ناحية كفرشوبا، حيث يستقبلك جنديان يقفان على حاجزٍ للجيش وسط طريق ضيقة، يلفح وجهيهما الصقيع الذي يضرب لبنان عموماً، وشبعا خصوصاً، لأنّها تعلو عن سطح البحر 1300 م. بعد إجتياز الحاجز، تسلك طريقاً جبلية متعرِّجة ضيقة بالكاد تتَّسع لسيارة واحدة، وعلى جانبَيها صخور وأشجار سنديان بعيدة عن بعضها.
على الحدود الإسرائيلية تتمركز الكتيبة الهندية، حيث تقف عناصرها قرب بركة النقار وتتحدّث عن حال الطقس وعدم إمتلاء البرك بالمياه، فيما تراقب القوات الإسرائيلية المنطقة في مراكزها وراء الشريط الحدودي.
صباح شبعا لا يشبه أيّ بلدة، حيث من الصعب أن تصادف سيارة على طرقها، فيما يقف الجنود الذاهبون الى الخدمة على جانب الطريق، لعلّ أحد «الشبعاويين» يقلّهم معه، لأنّ لا سيارات أجرة أو باصات ليستقلّوها.
فالبلدة التي تُعدّ نحو 17 ألف نسمة، لا يقطنها سوى 4000 منهم، فيما تشير الأرقام الرسمية للبلدية، الى وجود نحو 7000 نازح سوري دخلوها على دفاعات منذ إندلاع الأزمة السورية في 15 آذار 2011، ومعظمهم من بلدة بيت جنّ.
بعد إجتياز الأطراف، تتأهّب لدخول البلدة حيث الحفر مليئة بالمياه، والحركة شبه خجولة، والمنازل خالية من أهلها. وكلّما توغلت أكثر تكتشف معالم البلدة التي يشكل السنّة معظم سكانها، وهذا العنصر جعل البعض يتخوّف من دخول عناصر إرهابية من بين النازحين تستغل طبيعة المنطقة لتنفيذ عمليات ضدّ الجوار الشيعي. لكنّ تجربة عرسال ماثلة، والأهالي الذين يشكرون الربّ لأنّهم شاهدوا ما حصل، احتاطوا.
الجغرافيا تساعد
لماذا لا تتحوّل شبعا "عرسال -2"؟، سؤالٌ لا بدّ من طرحه، خصوصاً أنّ الإحتمالات مفتوحة في بلد الخضات المتلاحقة، لكن الطبيعة الجغرافية والواقع العسكري والسياسي لا يسمحان بتحوّلها حالاً شبيهة بعرسال، حيث تشرح مصادر عسكرية، الواقع لـ"الجمهوريّة": "من الناحية الجغرافية لا يوجد ممرّات طبيعية تصل شبعا بالداخل السوري، والجيش السوري الحرّ يتمركز في بلدة بيت جنّ ومزارع بيت جنّ، ولم يَسمح بدخول "جبهة النصرة" و"داعش".
ويُضيف: "تحيط بهاتين البلدتين، بلدات ذات غالبية درزية، يتمركز فيها النظام السوري، أيْ أنّ هناك أقليّة سنّية وسط هذه الغالبية على عكس منطقة القلمون. ولا يوجد ممرّات وطرق بين شبعا وبيت جنّ، إذ إنّ الطبيعة الجبلية وعرة جدّاً، والنازحون أتوا على البغال، في رحلة تستغرق نحو 10 ساعات، للوصول الى أقرب نقطة في البلدة".
ويؤكد المصدر أنّ "الجيش نجح في تطويق الجرود، لأنه لا يريد تكرار تجربة عرسال، وهو أمسك بكلّ ممرات الجبال، ونشر ما يزيد عن 1500 عنصر وأقامَ نقاط مراقبة، وقد ساعدته في ذلك، الطبيعة الجغرافية حيث من السهل ضبط الحدود هناك".
البيئة الحاضنة
الواقع السياسي في شبعا مختلف عن عرسال، إذ لا بيئة سنّية حاضنة من الطرفين السوري واللبناني، حتى إنّ النازحين سكنوا في المباني والمخيّمات غائبة، لذلك من السهل ضبطهم.
هذه المعطيات العسكرية والجغرافية تتطابق مع الواقع داخل البلدة، حيث اتُخِذت تدابير مشدّدة لمراقبة النازحين، فبات كلّ مواطن خفيراً، وقدّ تولّت قوى الأمن الداخلي التدابير داخل البلدة بمساعدة الشرطة البلدية، وإتخذت البلدية قراراً منذ 3 أشهر يمنع دخول السوريين وخروجهم من شبعا وإليها، والسوري الذي يذهب لا يحقّ له العودة.
وفي هذا السياق، يؤكد رئيس بلدية شبعا محمد صعب لـ"الجمهورية"، أنّ "وجود «النصرة" و"داعش" كذبة كبيرة، ولو كانا موجودين لما زارنا كبار السياسيين"، لافتاً الى أنّ "الذي يُروِّج لهكذا مخططات وأخبار، يهدف الى ضرب البلدة".
ويشير الى انه "بعد أحداث عرسال، وضعت البلدية جميع الذين يأوون السوريين في بيوتهم أمام مسؤولياتهم، ودهَمنا شقق السوريين وتوقفنا عن إستقبالهم، وكلّ ذلك بالتنسيق مع الجيش والقوى الامنية"، رافضاً "منطق الأمن الذاتي".
على رغم أنّ عددَ النازحين في شبعا يتجاوز عدد الاهالي، إلّا انهم يتلقّون المساعدات من هيئات الإغاثة، خصوصاً أنّ الإجارات مرتفعة، أما التجمّعان الأكبر فهما مركز الحرار الكويتي، وجمعية نور الخيرية في رأس البلدة.
واللافت أنّ جميع النازحين هم من الاطفال والنساء، إذ بقيَ الرجال في بلدتهم. وتروي إحداهنّ أنّ النساء بتن أرامل، فبلدة بيت جنّ تتعرّض للقصف، والنظام لا يرحمها، وهي مطوّقة من كلّ النواحي، وقد سرنا 10 ساعات للوصول الى البلدة".
من جهته، يؤكد مسؤول "الجماعة الإسلامية" في شبعا الشيخ محمد الجرار لـ"الجمهورية"، أنّ "الجماعة تغطي فرق النفاقات لوزارة الصحّة وتقدّم الخدمات إلى النازحين". ويرفض كلّ التهم حول وجود إرهابيين في البلدة، نافياً وجود بيئة حاضنة لهؤلاء، معتبراً في المقابل أنّ "الفكر الداعشي منتشر، فالنظام الذي قتل 300 ألف مواطن سوري داعشي بامتياز". ويصف دخول "حزب الله" إلى سوريا بأنه "خطأ استراتيجي، واستجلب النار السورية إلينا وهذا جوهر الخلاف معه".
عين عطا
بعد توقف استقبال النازحين، لا تزال شبعا تستقبل الجرحى منهم، على رغم انخفاض العدد اليوم عن الأيام الماضية، وهم يدخلون عبر أقرب نقطة ويتسلّمهم الصليب الأحمر، ثم يتوزّعون على مستشفيات البقاع ويحصلون على تصريح دخول.
من شبعا الى عين عطا، يكثّف الجيش الحواجز، ويحكم قبضته على المنطقة. إذ نجد نقطة تفتيش ومراقبة ودوريات كلّ كلم. وتؤكد المصادر العسكرية، أنّ "الجيش نفّذ خطة محكَمة ولم يترك للإرهابيين مجالاً للتحرّك، ما جعل شبعا من أكثر البلدات أماناً، أما الخرق فيها فهو مستحيل لأنها من المنظار العسكري، ساقطة".
تنسيقٌ سياسيّ لافت
يراقب "حزب الله" وضع شبعا عن كثب، وهو حسب قول الأهالي، أنشأ "سرايا مقاومة"، لا يتجاوز عددها الثلاثين عنصراً، في وقت ينتشر الحزب وبطريقة مخفية على أطراف البلدة وقرب الحدود مع إسرائيل.
سياسياً، تحرص القيادات، وعلى رأسها تيار "المستقبل" و«الجماعة الإسلامية"، على التنسيق مع جميع الفاعليات، حيث ينسّقان مع نائب المنطقة قاسم هاشم، متخطّين كلّ الإعتبارات السياسية، وهم وضعوا مظلّة أمان لأنّهم لا يريدون تكرار سيناريو عرسال - اللبوة مع البلدة وجوارها، ويتكل تيار "المستقبل" و"الجماعة" على علاقات هاشم مع "حزب الله" وعضويّته في كتلة "التنمية والتحرير" لتوضيح أيّ سوء فهم وإبقاء قنوات الإتصال مفتوحة.
إذاً، تبدو شبعا من أكثر البلدات أماناً، بفعل الخطة الطارئة للجيش ووجودها في منطقة القرار 1701، حيث يُعتبر اللعب بالأمن فيها خطاً أحمر لا يتحمّل أحدق عواقبه، فيما يبقى وعي الأهالي العنصر الأبرز في تفادي الأسوأ.
(آلان سركيس)