لم يعبر المسؤولون اللبنانيون حتى الآن عن أي قلق من ظاهرة فرار عدد محدود من افراد من الجيش والتحاقهم بـ"جبهة النصرة" أو "داعش" وتعاملوا مع الأمر على انه ظاهرة فردية ومحدودة وان تكررت مرات عدة. وهم يتوقعون تالياً ويأملون ان تبقى محدودة ومن دون أبعاد معبّرة عن تحول في بعض مناطق البيئة السنية مثلا. فالموضوع بالغ الحساسية ولا يسهل تسليط الضوء عليه ولا يجوز القيام بذلك أو تركه موضوعاً يتناقله الاعلام كما حصل في موضوع العسكريين المخطوفين أو سواها من المواضيع الحساسة. فما حصل مقلق ولا يمكن نفي ذلك لكن ليس الى مستوى كبير في الوقت نفسه. هو غير مقلق اذا ما قيس بجملة اعتبارات من بينها مثلاً عدد الذين التحقوا بهذين التنظيمين من الدول الأوروبية ومن الولايات المتحدة الاميركية. إذ فيما حدّد وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف خلال زيارة الى الدوحة عدد الذين انضموا الى داعش من دول الاتحاد الاوروبي بـ2000 من مواطني الاتحاد، علماً ان بعض المصادر الاخرى تحدثت عما يزيد على 3000 مقاتل، يثير الدهشة، مثلاً، عدد الملتحقين بهذين التنظيمين من دول كالدانمارك، حيث وصل عدد هؤلاء الى الألف أو هولندا حيث انتقل 130 هولنديا للقتال في العراق وسوريا او من كندا او من بلجيكا وبريطانيا واوستراليا وسواها. فهذه دول متقدمة وتقدم الكثير لأبنائها وأثار التحاق مواطنين لديها بالحرب في العراق وسوريا مع تنظيم داعش الاسئلة الكثيرة حول الأسباب وسبل وقف ما يحصل وصولا الى معالجته. وفيما انخرطت دول الاتحاد في اعداد قوانين تتشدد في ملاحقة هؤلاء عبر منعهم من التوجه الى المنطقة أو سحب الجنسية منهم أو سواها من الاجراءات، فإن الوضع في لبنان لم يصل الى مستوى خطر حتى لو اخذت نسبة الملتحقين بالتنظيمين وفقا لعدد السكان. وهو غير مقلق اذا ما اخذ في الاعتبار ان الملتحقين من الولايات المتحدة واوروبا بهذين التنظيمين يقطعون مسافات شاسعة للقتال في سوريا والعراق في حين ان لبنان على تماس مع ما يجري وهناك محاولات لاقحامه قسرا في التطورات السورية منذ بدء الأزمة فيما يسعى هو جاهدا للبقاء في معزل عن هذه التطورات وانعكاساتها بنجاح نسبي حتى الآن. ويكاد يقارب الاعجوبة ان لبنان لم ينزلق بعد الى أتون الحرب المشتعلة في العراق وسوريا ولو انه دخل في وسط نفق ليست واضحة معالم نهايته ويشارف مرة بعد اخرى حدود الانزلاق الى الهاوية.
الا ان الموضوع مقلق بالمقدار نفسه لاعتبارات قد يكون أهمها وأبرزها ان هؤلاء الملتحقين بالتنظيمين المذكورين هم أبناء مؤسسة الجيش وليسوا مجرد شباب اعترتهم الحماسة السياسية او الطائفية أو حتى المذهبية على وقع او على خلفية التوتر المذهبي السني الشيعي القائم في المنطقة وصولا الى لبنان والذي يجسد جانب استفزازي منه انخراط "حزب الله" في الحرب الى جانب النظام في سوريا. وهو مقلق قياسا على التعبير عن وجود بيئة قابلة او مهيأة او ضاغطة ولو ان اهالي الجنود الملتحقين رفضوا ما حصل. هناك بيئة ضاغطة عبّر عنها الموقف الذي أعلنه وزير الداخلية نهاد المشنوق في كلمته التي القاها في ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن، باعتبار ان الرجل سعى منذ توليه منصبه ان يكون على مسافة واحدة من الجميع وان يكون مقبولا من الجميع ومتوازنا معهم وشعر بوطأة الضغوط من بيئته المتفاعلة على وقع ما يحصل في لبنان والمنطقة كذلك. فالعسكري هو ابن بيئته أيضاً من دون أن يكون ذلك تبريراً له لكن واقع الامور خصوصا في عكار التي تعاني من نسبة كبيرة من اللاجئين السوريين في ظل صلات قرابة عبر الحدود السورية واستهداف النظام لمناطق في عكار. والموضوع مقلق بمقدار ما يسير في موازاة عمليات تنفذ ضد الجيش اللبناني في عكار في شكل خاص وعلى نحو مستغرب كون المنطقة هي الخزان البشري للجيش ويكاد لا يخلو منزل من عنصر له في المؤسسة العسكرية وثانياً إزاء أي تهاون في الكشف عن مستهدفي العسكريين. ويزيد من القلق ان احتمال فتح الجرح النازف في عرسال مجددا او تكرار تجربة عرسال في اي منطقة اخرى قد يشكل عاملا من العوامل التي قد تساعد اكثر في تفتق بعض مظاهر من الوضع الداخلي نظراً الى ما يمكن ان تستدرجه من ردود فعل شهد شهر آب الماضي بعضا من مظاهرها التي كادت تؤدي الى حرب اهلية جديدة.
ولا يستوي الوضع أو يخفف من وقعه اعتقاد البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" او اشاعتها بان نسبة كبيرة من الطائفة السنية في لبنان متحمسة لـ"جبهة النصرة" او لداعش على رغم الجهد الذي يبذله تيار المستقبل في فرض طابع الاعتدال والتسويق له والعمل به. فالاستهانة بما يعبر عنه كلام الوزير المشنوق او عدم المساهمة في اصلاح الوضع ربما يزيد الوضع تأزماً بغض النظر عن واقع مدى افادة الحزب من نتائج ما يحصل أم لا. فلهذا نقاش آخر مختلف كلياً. لكن ثمة حاجة ماسة الى استدراك الوضع ومعالجته في ظل القدرة على ذلك ولا تقل مسؤولية الحزب في ذلك عن مسؤولية الافرقاء الآخرين ان لم تكن تتخطاها.