إستبقَ وزير الداخلية نهاد المشنوق أيّ تأويل أو تحليل للمواقف التي أطلقها في الذكرى الثانية لاغتيال الشهيد وسام الحسن قائلاً: «لستُ من هواة تفجير المؤسسات وخصوصاً الحكومة، وما سأقوله هو أوّل الكلام وليس آخرَه»، وذلك في أوّل إشارة من داخل الحكومة أنّ استمرار المساكنة، التي تشكّل مطلباً لدى الجميع، شرطُه تغيير «حزب الله» نهجَه وتعاطيه.
لا تداعيات لكلمة المشنوق على التضامن الحكومي، ولا على سير عمل الحكومة، والسبب أنّ «حزب الله» الذي استمع بدقّة إلى ما قاله وزير الداخلية ليس من مصلحته إقفال الأبواب مع «الصحوات» في لبنان، فيما إيران تعيد الاعتبار للصحوات في العراق، لأنّ طهران والحزب يدركان جيّداً ما كلفة «المشكل» أو القطيعة مع «المستقبل» في هذه اللحظة.فما قاله المشنوق يشكّل جرس إنذار بأنّه لا يمكن الاستمرار على هذا المنوال، وأنّ إعطاء تفسيرات لأسلوبه الحواري والتواصلي من قبيل أنّه يسعى لرئاسة الحكومة أو غيرها ينمّ عن جهل بشخصه والتزامه وطريقة عمله التي تشكّل ترجمة عملية للمدرسة الحريرية التي تبقي قنوات التواصل مفتوحة من دون التنازل عن الثوابت الوطنية، وذلك منعاً للانفجار وتجنّباً لانزلاق لبنان نحو الحرب الأهلية.
وقد حملت كلمته رسائل معبّرة، وهذه الرسائل تعبّر عن دعوة عاجلة لـ«حزب الله» إلى تصحيح المسار، أكثر ممّا تعبّر عن انتقاد للانتقاد، وهي تكمن بالآتي:
أوّلاً، لم يكن وزير الداخلية في وارد إخراج امتعاضه إلى العَلن لولا ثلاث وقائع:
أ- رفض «حزب الله» التجاوب مع الدعوات إلى عدم اعتبار الحكومة في «جيبه»، وأنّه يستطيع أن يسعِّر مواجهاته في سوريا وعلى الحدود بالاتكاء على «المستقبل» لتغطيته وضرب القوى السنّية المتشدّدة، لأنّ إصراره على هذه السياسة لن يمكّن الحكومة ولا «المستقبل» من مواصلة الربط معه، وذلك لسبب بسيط هو أنّ «المستقبل» سيفقد عندذاك القدرة على ضبط الشارع، وتذهب البلاد نحو الحرب.
ب- عدم تمكّن حلفاء الحزب من الرئيس نبيه بري إلى العماد ميشال عون وما بينهما الوسطي النائب وليد جنبلاط من الضغط أو التمنّي عليه تغيير سياساته وتبديلها. وقد كشفَ المشنوق من خلال هذا الموقف عن الأهداف الحقيقية التي قادته إلى اللقاءات المتكرّرة مع برّي وعون وجنبلاط في سياسة تعبّر عن حنكة وترمي ليس إلى فصلِهم عن الحزب أو وضعهم في مواجهته، إنّما لتحصين خطته وتغطية خطواته والتأكيد أنّه ينفّذ سياسة وطنية لا حزبية، وأنّ المشكلة مع الحزب ليست فقط 14 آذارية، إنما وطنية.
ج- شعوره بأنّ المزاج السنّي لم يعُد متحمّساً للحكومة التي أعطاها فترة سماح طويلة لمعالجة الأسباب التي ولّدت الاحتقان والتعصّب والتطرّف.
ثانياً، يبدو أنّ وزير الداخلية وصل إلى قناعة بأنّ «حزب الله» لن يبدّل أجندته الحزبية لمصلحة الأجندة الوطنية، وقد كشف عن محاضر اتصالاته مع الحزب الذي أكّد للمشنوق أن لا سلطة له على الخاطفين والمزوّرين في بريتال والنبي شيت وحي الشراونة الذين «يهربون إلى الجرود التي لا نعرف أوّلها من آخرها»، فإذا بالجرود، والكلام هنا للمشنوق، «تصبح أرض معركة فيها متاريس ودشم ومقاتلون».
وفي السياق ذاته ذكر المشنوق بأنّ الهدف منذ العام 2005 كان الوصول إلى استراتيجية دفاعية للدولة اللبنانية، فإذا «نحن اليوم بلا استراتيجية دفاعية وبمقاومة أدماها التفرّد ويكاد يخنقها دخان الحريق المذهبي في المنطقة».
ثالثاً، أكّد أبو صالح على الشراكة في الأمن والسياسة ورفضه تحويل «المستقبل» وقياداته إلى «قادة صحوات متخصّصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانين فيما القسم الآخر ينعم بالحصانة الحزبية».
فحرص «المستقبل» على الاستقرار ولعبِ دور «أم الصبي» لا يعني تنفيذَ أجندة «حزب الله»، ولا تحميل «المستقبل» أكثر من قدرته على التحمّل، وتذكير واضح للحزب بأنّ لبنان ليس العراق، وأنّ قادة «المستقبل» ليسوا قادة صحوات، وأنّ زمن هذه التجربة في بلد المنشأ العراق ولّى إلى غير رجعة.
رابعاً، استبدل المشنوق الكلام عن الاعتدال السنّي بالكلام عن «الاعتدال اللبناني الوطني، بسنّته وشيعته ودروزه ومسيحييه»، لأنّ مواصلة التركيز على الاعتدال السنّي أصبحت تؤشّر، بشكل أو بآخر، وكأنّ المشكلة من طبيعة سنّية وأنّ سائر الطوائف معتدلة بالولادة والفطرة والنهج والممارسة، فيما الحقيقة عكس ذلك تماماً.
خامساً، ذكر وزير الداخلية بأنّ التشدّد المذهبي لا يحارب بتشدّد مذهبي آخر، وأنّ «لا أمن دون توازن، ولا استقرار دون عدل، ولا سياسة دون مصارحة»، بمعنى أنّ التشدد السنّي لا يحارَب بتشدّد شيعي، وأنّ المدخل إلى الاستقرار هو تحقيق العدالة والمساواة بين المواطنين.
سادساً، إعلان المشنوق أنّ التحقيقات أصبحت «على قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف جريمة اللواء الشهيد وسام الحسن» يشكّل رسالة واضحة للجميع بأنّ التعاون الحكومي والتبريد السياسي والتواصل النيابي لا يعني طمسَ الحقيقة ووقفَ البحث عن الإرهابيين الذين قتلوا الحسن وسائر شهداء 14 آذار. وهذا الإعلان وحده قد يدفع الجهة القاتلة إلى الخربطة إذا ما تأكّدت من قرب اكتشاف فعلتها.
لقد شكّلَ خطاب المشنوق محطة فاصلة بين مرحلتين: مرحلة التعاون الحكومي الذي أثبتَ فعاليته بالقضاء على الشبكات الإرهابية التي استهدفت البيئة الشيعية، كما أثبتَ نجاحه في مواجهة القوى السنّية المتطرفة، وبالتالي توفير الاستقرار السياسي والأمني، وبين مرحلة استمرار هذا التعاون ولكن المشروط، ليس بانسحاب «حزب الله» من سوريا، إنّما بعدم تكرار عملية شبعا والتراجع عن الحدود بتسليمها للجيش اللبناني حصراً والتعاون مع الأجهزة الأمنية...، لأنّ خلاف ذلك ستخرج الأمور عن سيطرة الجميع.