"جبهة النصرة ليست ارهابية". قنبلة فجّرها وبكل جرأة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في الساحة اللبنانية المنقسمة بين مؤيد للنظام السوري ومعارض له، معبراً عن الواقع السوري الحالي ونظرة السوريين المعارضين إلى تنظيم يقوده ابو محمد الجولاني منذ تأسيسه بعد أشهر من بداية الثورة السورية، لكن السؤال: لماذا ادلى جنبلاط بمثل هكذا تصريح عن تنظيم بايع زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري وتم ادراجه في لوائح الارهاب الدولية، خصوصاً من اميركا والسعودية؟
وقبل الاجابة عن السؤال، لا بد من التذكير أن "النصرة" تلقت صفعة مؤلمة من التحالف الدولي، وكان لها حصة في الغارات الأولى استهدفت فيها مستودعات أسلحة في ادلب، لكن المفارقة أنه منذ ذلك اليوم لم نسمع بأي ضربة جديدة وجهت إلى "النصرة"، واقتصر الامر على ضرب مواقع "الدولة الاسلامية"، فهل تدارك المجتمع الدولي الأمر وتفهم الواقع السوري بأن "جبهة النصرة ليست ارهابية؟".
ضربة ادلب
كانت ضربة ادلب كافية لكشف تضامن فئة كبيرة من المعارضة السورية، خصوصاً الاسلامية مع "النصرة" التي كانت السبّاقة في مقاتلة "الدولة الاسلامية" في سوريا إلى جانب "الجيش الحر" وباقي الفصائل، نظراً إلى أن غالبية عناصرها من السوريين، فضلاً عن الخلاف العقائدي والقيادي بين التنظيمين من جهة وبين المتحدث باسم "الدولة الاسلامية" أبو محمد العدناني والجولاني من جهة أخرى، ففي احد التصريحات وصف الأول الثاني بـ"الصبي الخائن"، فضلاً عن الهجوم المتواصل على الظواهري.
أثار موقف جنبلاط استنكارات لبنانية عديدة، خصوصاً في ظل احتجاز "النصرة" عسكريين لبنانيين واعدام احدهم، اضافة إلى التفجيرات التي تبنتها سابقاً في الداخل اللبناني وأسفرت عن استشهاد وجرح العشرات، لكن الموقف الجنبلاطي راق في الوقت عينه لبعض آخر.
وفي السياق، ترفض مصادر جنبلاط اعتماد معايير أميركية في تصنيف الارهاب، وتقول: "بصرف النظر عن موضوع النصرة، فإن أميركا ليست مرجعاً لأن اسرائيل مارست أكبر قدر من الارهاب ولم تصنف مرة واحدة على لائحة أميركا"، وتقول لـ"النهار": "ينطلق جنبلاط في مضمون تصريحه من مبدأ الواقعية، وهو يدرك تماماً أن "النصرة" وسواها قوى حاضرة وفاعلة على الأرض ولها دورها في الحدث السوري، وتضم أبناء الشعب السوري".
لم يعبر جنبلاط عن وجهة نظره تجاه أعمال "النصرة" أو التصنيفات المسقطة عليها، بل يعبّر بحسب المصادر عن "وجهة نظره في ضرورة التعاطي مع هذه المجموعة على انها اصبحت في حكم امر الواقع موجودة في سوريا".
وبعيداً عن عدد المقاتلين الحقيقي لـ"النصرة" والذي تقدّره التقارير بأكثر من 12 ألف مقاتل، يرى مراقبون أن هناك أمراً واقعاً بأن جمهور واسع من السوريين المعارضين يؤيدون التنظيم لأنه فصيل يقاتل من أجل اسقاط النظام وحماية السوريين المعارضين، بعكس "داعش" التي لم يكن همها سوى السيطرة على المناطق المحررة وفرض سلطتها على أهاليها، ولذلك يدرك جنبلاط تماماً أن هذا الواقع لا يغيره سوى السوري ووجود "النصرة" في سوريا المستقبل امر يعود إلى قرار السوريين، ومصادره على يقين بأن "سوريا التي بناها حافظ السد على مدى 40 سنة لم تعد نفسها بل بات هناك لاعبون جدد على الساحة وهذا واقع".
تسمية مطاطة
ترفض مصادر جنبلاط "الغرق في التصنيفات"، مؤكدة "ضرورة التعاطي مع التطورات في سوريا وفق معطيات جديدة، لأننا لا نستطيع أن نكرر المواقف السياسية نفسها والخطاب نفسه، نظراً إلى انعكاس هذه التطورات على الواقع اللبناني". وبما ان "النصرة" أحد فروع "القاعدة"، فهل يعني في رأي جنبلاط ان "القاعدة ليست ارهابية"؟ تجيب المصادر: "القاعدة تسمية مطاطة تم الباسها كل اشكال الالبسة وفق حاجات الأنظمة ومصالح المحاور الاقليمية والدولية الكبرى، وبالتالي لا يتحدث جنبلاط عن توصيفات بل كل ما يقوله ان هناك وقائع على الارض والنصرة أحد ظواهرها ولا بد من التعاطي معها على هذا الاساس".
بالطبع لا يمكن اسقاط عامل القلق على الطائفة الدرزية، خصوصاً أن مصلحة الدروز تقضي بعدم الانخراط العمودي في الصراع والمحافظة على الواقع الحيادي والوسطي كوسيلة لضمان موقغ الطائفة مهما كان شكل النظام الجديد بعد رحيل الرئيس بشار الأسد، ويترجم حالياً الخوف في مناطق سوريا عدة سيطرت على غالبيتها "جبهة النصرة" وفيها قرى درزية كالقنيطرة.
ويبدو أن تبدل المواقف تجاه "النصرة" لا يقتصر على جنبلاط فحسب، بل ربما انسحب على المجتمع الدولي الذي يبحث عن تأييد على الأرض السورية يسانده في انهاء "الدولة الاسلامية". ولا يستبعد ان تنجح "النصرة" التي أطلقت الشهر الفائت رهائن الامم المتحدة والتي تحافظ حتى الساعة على حدود آمنة مع اسرائيل في القنيطرة، بكسب الرهان.