المخاوف على الوضع الداخلي اللبناني ليست بالطبع سياسية كما نشاهد ذلك يوميا من خلال المبارزات الكلامية بين الأفرقاء السياسيين من ٨ و ١٤ آذار. فالسياسيون اللبنانيون بارعون في ايجاد صيغ او فتاوى دستورية لحلحلة الموضوعات السياسية العالقة او المستعصية عندما تدعو الحاجة بحسب متابعين لأوضاع لبنان في باريس.

تبدو المخاوف والأخطار التي تحدق بلبنان أمنية في الدرجة الاولى بفعل ارتدادات الحرب السورية على الوضع الداخلي اللبناني، إضافة الى الوضع الاقليمي المتفجر بعد تسجيل "الدولة الاسلامية في العراق والشام" انتصارات على أطراف متعددين داخل الدولتين، وإمكان تمددها الى الداخل اللبناني بحسب تصريحات قائد الجيش العماد جان قهوجي الذي قال ان هناك العديد من المتطرفين النائمين تحت ستار لاجئين سوريين، في امكانهم التحرك بسرعة وخلق بلبلة داخلية، وهذه كلها يمكن أن تؤدي الى صراع داخلي بين اللبنانيين.
هذا الوضع السائد في المنطقة والكلام الصادر عن مسؤولين يتوقعون استمرار الأزمة الشرق الأوسطية لسنوات يحملان المراقبين على استبعاد ملء الفراغ الرئاسي سريعاً بانتخاب رئيس على رغم ان الفراغ وفي الوضع الذي يعيشه لبنان يشكل عائقاً رئيسياً امام التقدم نحو شاطئ الأمان.
فانتخاب رئيس للجمهورية بعدما تم ربط لبنان بسياسة المحاور اصبح امرا شبه مستحيل لعدم وجود توافق إقليمي يضغط على الافرقاء في الداخل للانتخاب وعدم وجود توافق داخلي يؤمن في المرحلة الاولى النصاب لانتخاب رئيس والحوار بين اللبنانيين للاجماع على مرشح توافقي يحصل على دعم الداخل لقيادة السفينة في العاصفة الأمنية التي تهدد لبنان، فضلاً عن أن بعض الوزراء الحاليين المسيحيين يعتبرون ان وجودهم في الحكومة ضمان يفوق ضمان صلاحيات الرئيس، وبالتالي يمكن انتظار ملء هذا الفراغ.
يضيف هؤلاء أن "حزب الله" مدين للعماد ميشال عون وسيستمر في ترشيحه للرئاسة ولن يقبل البحث في مرشح توافقي منافس، وينتظر الحزب التطورات الإقليمية لتحديد مستقبل دول الممانعة التي تعيش أزمة مصيرية كي يحدد موقفه وخطته من هذه التطورات. وايران التي في امكانها الضغط على الحزب لن تقوم بذلك قبل ان تعرف مصير محادثاتها حول ملفها النووي، بينما تستمر مخاوف المجتمع الدولي من سعيها إلى حيازة سلاح نووي ومن مستقبل تأثيرها في العراق وسوريا. وهذا الواقع على الأرض لا يبشر سوى بمخاوف أمنية.
وبحسب المصادر المتابعة لهذا الملف لا يبدو أن هناك اي حل للملف النووي الايراني والتوصل الى اتفاق عليه مستبعد، وما يمكن اقتراحه بعد انقضاء مهلة التفاوض هو او تمديدها في حال التوصل الى بعض الايجابيات او توقفها اذا كانت المفاوضات سلبية، مما سيؤدي حتما الى مزيد من تشنج إيراني لن يخدم في حل أي ملف في المنطقة، بل سيزيد المخاوف الأمنية من انفجار إقليمي يهدد بالطبع لبنان.
على صعيد آخر، تشير مصادر ديبلوماسية الى المخاوف من اعادة رسم خريطة للمنطقة وانعكاس التطورات الإقليمية وارتداداتها سلبياً على الوضع داخل لبنان. فأي تعديل للخرائط يحتاج الى صراع داخلي يؤدي في ما بعد الى اعادة رسمها. وهذا ما يعيشه العراق الذي انقسم بين ثلاث مقاطعات يتم هندستها، وما يمكن ان يحصل في سوريا وما يخطط له النظام السوري منذ ان بدأت الاحداث في سوريا، وما تخطط له اسرائيل منذ قيام دولتها.
كل هذه المخاوف المرتبطة بالوضع الأمني في المنطقة وانعكاساتها على الوضع الداخلي اللبناني تؤثر سلباً على توافق داخلي يؤمن انتخاب رئيس للجمهورية لأن الاطراف مرتبطون بمحاور إقليمية او دولية، وتسابق الاحداث الأمنية على الساحتين الداخلية والإقليمية سيؤدي الى وضع الموضوع الرئاسي على الرف في انتظار التغيرات في المنطقة. فهل سيتمكن اللبنانيون من التوافق في ما بينهم قبل فوات الأوان ويحظى لبنان بعد كل هذه التغيرات برئيس؟

 

 

بقلم :سمير تويني