مع بدء الدراسة في الجامعات المصرية في مطلع الأسبوع الحالي، لاحت على الفور أشباح الفصل الدراسي السابق، الذي شهد صدامات عنيفة بين الطلاب وقوات الأمن.
وبدت استعدادات الدولة المصرية قبل بدء العام الدراسي مُحكمة، وذلك عبر حزمة من التشريعات والإجراءات تستهدف فرض الأمن والسيطرة على الجامعات، التي تُعدّ آخر المجالات التي يمكن لـ«الإخوان المسلمين» العمل من خلالها.
وسمحت مجموعة من التشريعات بفصل الطلاب والأساتذة في حال تهديد النظام العام فيها على الأنشطة الطالبية ومنع العمل السياسي في الجامعات.
واستبقت أجهزة الامن المصرية انطلاق العام الجامعي الجديد بحملة اعتقالات طالت الطلاب المعارضين، وبخاصة المحسوبين على «الإخوان المسلمين».
وكانت المعضلة الرئيسية التي اعتبرتها الدولة حاسمة في مواجهة الفوضى، هي كيفية السيطرة على البوابات، ومنع دخول عناصر «الإخوان»، أو تهريب أدوات يمكن استخدامها في العنف، فضلاً عن منع خروج تظاهرات من داخل الجامعات إلى الشوارع المحيطة أو العكس.
وفي ظل حكم قضائي يمنع وجود الحرس التابع لوزارة الداخلية في الجامعات، وعدم كفاءة الأمن الإداري المكوّن من موظفين للتعامل مع اعمال العنف المحتملة، لجأت الدولة إلى الاستعانة بشركات أمن خاصة لحراسة أبواب الجامعات.
تلك التدابير المُحكمة، والتي شملت تأجيل انطلاق العام الجامعي لأسابيع، أوحت بأن الموسم الجامعي سيكون أكثر هدوءاً من سابقه، خصوصاً في ظل ضعف القدرات التنظيمية لـ«الإخوان» وعجزهم عن الحشد وكسب التعاطف.
اللافت للنظر أن بعض ما اتخذته السلطات المصرية من إجراءات بهدف كسر شوكة «الإخوان»، كان هو نفسه محرّكاً للاحتجاجات داخل الجامعات، فحملة الاعتقالات الاستباقية، دفعت إلى التحرك للمطالبة بالإفراج عن زملائهم. كذلك، فقد أدّت الإجراءات والتشريعات المتخذة، والتي تضيق على الأنشطة الطالبية، إلى استفزاز الطلاب. وأمّا شركة الأمن الخاصة التي استأجرتها الجامعات، فأثارت بدورها أزمة جديدة، بدلاً من أن تساهم في حل الأمور.
وأثار التفتيش الدقيق على الأبواب والمرور عبر البوابات الإلكترونية تذمّراً من قبل الطلاب، خصوصاً بعدما عانى كثيرون من التزاحم الشديد عند البوابات، ما جعل دخول الجامعة يستغرق ساعتين في أوقات الذروة، وهذا الامر كان سبباً في صدامات وقعت بين بعض الطلاب وأفراد شركة الأمن الخاصة، وانتهت بتحطيم بوابات ألكترونية وأجهزة كشف، وهو ما دفع عناصر الامن الخاص إلى الانسحاب أمام غضب الطلاب.
وقد اجتمع أمس، «المجلس الأعلى للجامعات» اجتماعاً مطولاً هو الأول منذ بدء العام الجامعي. وقد أقر المجلس الأعلى للجامعات اللائحة الطلابية الجديدة بحسب أشرف الشيحي رئيس جامعة الزقازيق، الذي تحدث إلى «السفير» عقب الاجتماع، قائلاً إن «الملف الأمني ليس الأول في ترتيب اهتمامات المجلس. وإذا حدث ذلك فسيكون نجاحاً لمن يريدون فرض العنف على الجامعات وتخريب العملية التعليمية. الجامعة مكان للعلم والفكر والإبداع والحوار وكل هذه ملفات أهم من الملف الأمني».
وأضاف الشيحي أن «الاجتماع أقرّ اللائحة الطلابية وناقش العديد من القضايا المتعلقة برفع مستوى التعليم في الجامعات والخدمة التعليمية المقدّمة بها. وأكد أهمية توسيع مجالات النشاط الطلابي وتوسيع المشاركة فيه. كما أكد الحرص على تطبيق القانون في الجامعات ومعاقبة كل من يخالف قانون الجامعة ولوائحها وعدم السماح بالخروج على الآداب العامة والتقاليد».
ورأى الشيحي أن الأحداث الجارية ليس لها تأثير على سير العملية التعليمية في الجامعة، وقال إن «المدرجات ممتلئة بالطلاب، والطلبة يفضون بحسم ما تقوم به قلة لا تتجاوز المئات من تخريب في الجامعات. والحوار داخل الجامعة مفتوح طوال الوقت، ولكن مع مَن لهم آذان يسمعون بها بالفعل، ومن لا يسمع سيطبق عليه القانون. نحن جادون في تطبيق القانون على كل مَن يخرج على النظام العام».
لا أحد بشكل عام يدافع عن العنف في الجامعة. ولكن وجهات النظر حول طريقة مواجهته تتنوّع. ليلى سويف، أستاذة الرياضيات في جامعة القاهرة عضو «حركة 9 مارس» لاستقلال الجامعة، قالت لـ«السفير» إن «هناك أداء استفزازياً من المسؤولين. أي أحد يعرف طبيعة الطلاب والشباب يعرف أن الإجراءات المتخذة تؤدي إلى الاحتقان، ونتائجها ستكون عكسية، وهو ما بدأ بالفعل ولو استمرت تلك الإجراءات فسيزيد التصاعد».
وأضافت سويف «تناقشنا في مجموعة 9 مارس أكثر من مرة وقلنا إن فتح المجال للأنشطة العامة بما فيها النشاط السياسي هو الطريق الوحيد لعزل المجموعات القليلة التي تستخدم العنف».
وعن الحوار في الجامعة، أوضحت أن «الأطراف المختلفة في الجامعة تتحاور بالفعل، باستثناء المسؤولين والنواة الصلبة الصغيرة من الطلاب الذين يستخدمون العنف. والمشكلة أن مفتاح الأزمة مع هذين الطرفين»، مضيفة أن «هناك لبساً في موضوع شركات الأمن الخاصة. فقد كان هذا مطلب للطلاب والأساتذة في مواجهة وجود الحرس الجامعي التابع للداخلية، وكبديل للأمن الإداري الذي لا يتمتع بالكفاءة حتى يتم تدريبه. 9 مارس كانت ترى ضرورة تدريب الأمن الإداري بشكل جيد، كذلك ضرورة حل الأزمة السياسية في المجتمع والتي تنعكس بالضرورة في الجامعة. وفي رأيي الشخصي هناك مشكلة أن شركات الأمن الخاصة كلها تقريباً وثيقة الصلة بالأجهزة الأمنية ولا يمكن اعتبارها بديلاً للداخلية، ويجب إيجاد بديل». ورأت سويف أن تلك الأحداث تمثل عبئاً حقيقياً على العملية التعليمية في الجامعة، وتقف حائلاً دون تطويرها.
ردود الأفعال الطلابية متنوعة، فبينما توجد حالات من التذمر بين الطلاب أدت إلى الصدام مع أفراد الشركات الخاصة، فإن باهر عادل، نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة الإسكندرية، قال في حديثه إلى «السفير»: «لسنا ضد وجود شركات الأمن الخاصة والأمن الإداري، لأن البديل هو الحرس الجامعي الذي نرفضه. وحتى الآن المشاكل محدودة. حدث صدام أمس الأول وتمّ تحطيم بوابة كلية الآداب مثلاً، ولكن هذا حدث من بعض الطلاب فقط. التزاحم هو المشكلة الوحيدة ونعمل على حلها بالتعاون مع الجامعة. وعندما سألتنا الإدارة رفضنا عودة الحرس وقبلنا بوجود الشركة الخاصة».
اختزال الجدل في الازدحام عند البوابات يراه البعض تبسيطاً مخلاً. وفي هذا السياق، اعتبرت خلود صابر، من «مركز حرية الرأي والتعبير» المعني بقضايا الحركة الطالبية، في حديث إلى «السفير»، أن «المشكلة ليست مجرد ازدحام على البوابات. هناك حزمة من الإجراءات والتشريعات تم اتخاذها، مثل حملة الاعتقالات بين الطلاب وإلغاء الأسر ومجموعات النشاط وبعض الاتحادات الطالبية، طلاب يعملون كمخبرين على زملائهم وأساتذة يجمعون معلومات عن الطلاب، ليس هذا بالمناخ الجامعي السليم. مناخ الإرهاب هذا لا يساعد على التعلم أصلاً».
وأضافت صابر أن «الإجراءات نفسها غير عملية، فدخول الطالب إلى الجامعة قد يستغرق ساعتين بسبب الازدحام والتفتيش، وهو أمر معطل ومهين في الوقت نفسه. كل هذا يخلق شحناً في الأوساط الطالبية. يجب أن تكون هناك شروط لوجود شركات الأمن الخاصة في الجامعات، مثل تحسين المعاملة وعدم التدخل بأي درجة في الحرم الجامعي وعدم تعطيل الطلاب. ولكن في كل الأحوال يجب تدريب الأمن الإداري في أسرع وقت ليقوم بدوره».
حلول تتحوّل إلى مشاكل، وعام جامعي يبدأ ولا تبدو العملية التعليمية في قمة الأولويات، تحل محلها مخاوف وصراعات انتقلت من المجتمع إلى الجامعة. ويبدو أن محاولة خلق الهدوء في الجامعة لن تنجح في مجتمع يخلو من الهدوء.
مصر: توتر يرافق انطلاق العام الجامعي الجديد
مصر: توتر يرافق انطلاق العام الجامعي...لبنان الجديد
NewLebanon
مصدر:
السفير
|
عدد القراء:
861
مقالات ذات صلة
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل ( ٨ ) سفارة لبنان في...
الشاعر محمد علي شمس الدين يترجل عن صهوة الحياة الى دار...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (7) سفارة لبنان في...
ديوان المحاسبة بين الإسم والفعل (6) سفارة لبنان في المانيا...
65% من المعلومات المضللة عن لقاحات كوفيد-19 نشرها 12...
لبنان: المزيد من حالات وارتفاع نسبة...
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro