المُعطى الجديد في لقاء البطريرك مار بشاره بطرس الراعي والرئيس سعد الحريري تمثّل بإعلان رئيس «المستقبل» عن توجّه قوى 14 آذار لإعادة تكرار سيناريو العام 2007 بتسمية مرشّحها لرئاسة الجمهورية. ولكن هل اعتماد السيناريو نفسه يعني الوصول إلى النتيجة نفسها؟
موقف الرئيس الحريري يعني مزيداً من تطوير مبادرة 14 آذار، من خلال الانتقال من مرحلة انتزاع اتفاق مبدئي من فريق 8 آذار على انتخاب رئيس وسطي إلى مرحلة تسمية مرشّحها الرئاسي. وهذا الانتقال يؤشّر عملياً إلى الآتي:أولاً، طَيّ «المستقبل» نهائياً صفحة ترشيح العماد ميشال عون، وهذا الطيّ ما كان ليحصل لولا اعتبارَين:
الاعتبار الأوّل يتعلّق بإفساح الحريري في المجال أمام عون بتعبيد طريق بعبدا، مُبدياً كل تعاون وتساهل كي لا يعطي أيّ ذريعة لأيّ جهة بأنه يريد استبعاد أحد المرشحين المسيحيين التمثيليين، ولكن بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على الفراغ الرئاسي لم يعد بإمكان أحد لَوم الحريري على الانتقال إلى المرحلة الجديدة رئاسياً، خصوصاً أنّ هذا الانتقال تمّ بعد مَنح عون كامل فرصته، كما تمّ بعد أن كان قد تَمسّك منذ اللحظة الأولى بترشيح الدكتور سمير جعجع وحضور جلسات الانتخاب كلها.
الاعتبار الثاني يتصِل بغطاء البطريرك الماروني، حيث أنّ الانتقال إلى المرحلة الجديدة رئاسياً ما كان ليتمّ أيضاً لولا غطاء بكركي التي لم تعد تقبل باستمرار الفراغ في الرئاسة الأولى، وترى أنّ الموقع أهمّ من الشخص، وأنها بينَ مرشّح تمثيلي وآخر غير تمثيلي، هي مع التمثيلي، ولكن بينَ الفراغ ومرشّح غير تمثيلي هي ضد الفراغ، لأنه يُقصي طائفة بكاملها عن المشاركة السياسية في صناعة القرار الوطني.
ثانياً، تجاوز 14 آذار النقطة المتصلة بأنّ تسمية المرشح الوسطي سيدفَع العماد عون إلى المزايدة عليها شعبياً من قبيل الترويج بأنها كانت تناور للوصول إلى مرشح غير تمثيلي، حيث أن هذه التسمية ستتلازم مع التأكيد أنّ رفض 8 آذار سيجعلها تعود إلى المربّع الأول المتمثّل بالتمَسّك بترشيح جعجع.
ثالثاً، نجاح 14 آذار بالاتفاق على مرشحين محددين، وهذا التطور من شأنه أن يدفَع بالاستحقاق الرئاسي قُدماً، وأن يواصل الضغط على قوى 8 آذار بتحميلها مسؤولية التعطيل.
رابعاً، إعطاء المساعي التي سيتولّاها الرئيس الفرنسي كامل حظوظها وفرصتها، حيث أنّ فرنسوا هولاند أبدى استعداده مجدداً للدخول بقوّة على خط الاستحقاق الرئاسي من خلال التواصل مع طهران، لكنّ شروط نجاح هذه المحاولة تتطلّب الانتقال من المرحلة المبدئية إلى المرحلة العملية عبر تزويد الرئيس الفرنسي اسم مرشّح أو لائحة مرشحين لا تتجاوز الثلاثة، الأمر الذي يدفع بالمفاوضات قُدماً، وينزع الذرائع من الفريق الآخر.
رابعاً، الإتفاق مع البطريرك على خريطة طريق لإنهاء الفراغ الرئاسي، وهذا الاتفاق يشمل ضمناً أسماء المرشحين التوافقيين الذين ستتولى 14 آذار تسويقهم وصولاً إلى تَبنّي المرشّح من بينهم.
خامساً، دعوة النائب وليد جنبلاط إلى التقاطع مع هذه المبادرة بعد وصول مبادرته إلى الحائط المسدود، واستطراداً الرئيس نبيه بري الذي هو أساساً أقرب إلى هذا الجوّ.
ولكن على رغم كل ما تقدّم، ما الذي يمنع عون من التمّسك بموقفه الرافض الانسحاب من المعركة الرئاسية؟ ولماذا طهران ستتجاوب مع باريس؟ وما الظروف التي تجعل «حزب الله» يَفترِق عن عون رئاسياً؟ وهل سيناريو 2014 بحاجة إلى عملية موضعية على غرار 7 أيار التي أدخلت سيناريو 2007 موضع التنفيذ؟ وما هي طبيعتها؟ وهل عودة التوتر بين الرياض وطهران تسمح بتحقيق خرق من هذا النوع؟
وإذا كانت كل هذه الأسئلة والتساؤلات مشروعة، إلّا أنه لا يمكن في المقابل التغاضي عن المعطيات الآتية:
أ- الاشتباك السعودي-الإيراني يشمل المنطقة كلّها باستثناء لبنان، فهناك اتفاق ضمني على تحييده، والدليل الاتفاق على تأليف حكومة في عزّ المواجهة بينهما، كما الدليل عدم ذِكر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل لبنان في سياق اتّهامه طهران بالتدخّل في سوريا والعراق واليمن، فضلاً عن أنّ الردّ الإيراني من جانب عبد اللهيان استثنى لبنان أيضاً في تركيزه على نقاط الخلاف مع الرياض.
ب- عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية عائد لعوامل واعتبارات محلية أكثر منها إقليمية، بمعنى انه لا يوجد فيتو إقليمي على الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي الضغط الخارجي يمكن أن يساهم في تحقيق خَرق على هذا المستوى، خصوصاً إذا ترافق مع تقدّم المعطيات الداخلية باتجاه تسمية رُزمة مرشحين.
ج- عامل الوقت أدى إلى إضعاف موقع عون وتمَوضعه، خصوصاً مع تطوير 14 آذار لمبادرتها التي ستترافق مع دخول فرنسي-فاتيكاني على الخط.
د- من مصلحة طهران في مفاوضاتها الشاقّة مع الغرب أن تُسَلّف فرنسا في لبنان ورقة هامشية بالنسبة إليها مقابل ورقة أخرى أساسية تتعلق بالملف النووي أو دورها الإقليمي.
إنّ كل ما تقدم يؤشّر إلى أنّ الانتخابات الرئاسية ليست قريبة، ولكنها بالتأكيد ليست بعيدة، إلّا أنّ المعطيات المرشّحة لأن تحدث خرقاً رئاسياً بدأت تتراكم وتتجمّع، ولم يبق سوى اللحظة المواتية داخلياً وخارجياً لإحداث هذا الخرق بانتخاب الرئيس العتيد.