لدى الفاتيكان عيونٌ وآذان، وكرسي الإعتراف ما بين الرئيس سعد الحريري والبطريرك مار بشارة بطرس الراعي أبعد من الوشوشات والهمسات. بعضه أو كلّه قد أصبح في عهدة الكرسي الرسولي، لكنّ النظرة الى لبنان من روما مختلفة عن النظرة اليه من العواصم الإقليميّة والدوليّة التي تعجن في معجنه، وتستفيد من ساحته.
السؤال: بعد ليل الضجر، هل إهتز الوتر للترحيب بالرئيس المنتظر؟ما جرى في روما يمكن وصفه المحاولة الأولى المحترمة، والتي تكتسب كثيراً من الجديّة للتوافق على إنتخاب رئيس للجمهوريّة، لكنّ الألغام لا تزال كثيرة في الحقل اللبناني. بادر الحريري الى تعطيلها من الخارج. زار باريس وروما، لكنّ قوى «14 آذار» تنتظره في بيروت لتناقشه في أولويات تحرّكه.
ورئيس مجلس النواب نبيه برّي بالتكافل والتضامن مع الحليف وليد جنبلاط ينتظرانه في لقاء مع الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، وإلاّ فإنّ كاسحة الألغام الفرنسيّة - الفاتيكانيّة ستكون عاجزة عن إستكمال المهمّة. هناك طهران والرياض، لا شيء يوحي بصفحة جديدة، او ببداية شهر عسل، فكيف يتمّ اللقاء في بيروت؟
هناك مَن يرى بوادر تأزيم، القيادة الإيرانيّة متوجّسة من التحالف الدولي، قلقة من إنضمام السعودية والإمارات اليه. متوترة من مشاركة الطيران السعودي والإماراتي في الغارات الجويّة على سوريا والعراق. تبحث جيداً في الخلفيات، وتتعمَّق في فهم «المكائد» المنصوبة.
لا أمان مع الولايات المتحدة، ولا إطمئنان، الثقة مفقودة، والسوابق مريرة، ولعبة المصالح لا تعترف بالصداقات والبروتوكولات، والطائرة الأميركيّة قد تلقي حمولتها في منتصف الطريق، المهم أن تصل الى الهدف.
في العراق ليست الأمور على ما يرام. إلتقى الجاران اللدودان على المباركة لحيدر العبادي، لكنّ الأخير لم يكمل حكومته بعد،
عاد التجاذب السعودي - الإيراني على أشدّه حيال الدفاع والأمن (الداخليّة)، ليس الخطر في العراق حكراً على «داعش».
«الداعشيّة» أدّت قسطها للعلى في جذب التحالف الدولي الى المنطقة، المهمة المقبلة لـ«داعش» جرّ إيران الى التورّط مباشرة في النزاع، إن في العراق، او في سوريا، بهدف إستنزافها. الجميع يتذكر الحروب العبثيّة التي قادها صدّام حسين مع الإيرانيين، والتي كلّفت البلدين ملايين القتلى والجرحى، عدا الخراب والدمار، والنتيجة كانت صفراً. عادا بعد أعوام العواصف والجنون الى حيث شاءت الولايات المتحدة أن يكونا.
في سوريا ظهرت خرائط الدويلات والأقاليم على طاولة التحالف. إنتهت موضة الشعارات البرّاقة: إسقاط النظام، تسلّم المعارضة، تعميم الديموقراطيّة، إطلاق ورش الحوار، والإصلاح، وإعادة البناء.
«داعش» إجتاح حدود سايكس - بيكو. دولة أبو عمر البغدادي تمتد من العراق حتى العمق السوري، لم يغيّر التحالف شيئاً من حدود هذه الجغرافيا، بل على العكس إنه يحاول من خلال غاراته ومخابراته أن يعمل على تكوين الجغرافيّات الأخرى للأقليات والأكثريات الأخرى. ذهب أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الى الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز.
جبال التراكمات ما بين البلدين تزداد شموخاً، ومع ذلك كان هناك تفاهم بينهما على إنهاء الإحتلال الإيراني في سوريا. كيف يكون تباين سعودي - خليجي - إيراني حول الملف السوري، وتفاهم حول الملف اللبناني؟
... ومع ذلك، وعلى رغم كلّ ذلك، هناك مَن يقول إنّ الحريري يملك خريطة طريق، ويعرف كيف يتنقل وسط حقل الألغام، لأنّ لبنان لا يمكن أن يستمرّ بلا رأس، وبدأت العفونة وعوامل التحلل تصيب الجسم من أطرافه.
ما يحدث في عرسال ليس بالأمر السهل، وما يحدث في بريتال إنذار خطير، أما ما يحدث في طرابلس فتعميم للإنقلاب على الدولة، وإشهار معاول التفتيت في مؤسساتها، وصولاً الى إعلان الدويلة. العبوة الناسفة في شبعا لم يتبدّد دخانها بعد، لا زال مثلّث البقاع الغربي - المزارع - القنيطرة في عين الإعصار.
في المشهد الإقليمي وإرتداداته المحليّة، لا شيء يوحي بالتفاهم على رئيس للبنان، لكنّ التحالف الدولي بات يدرك تماماً أنّ لبنان المقطوع الرأس بدأ يفقد مقوّمات الإستمرار، وليس من قرار عند التحالف بأن «يتحللّ» هذا اللبنان.