لعلّ اكثر من يجيد الجدل البيزنطي هم الأفرقاء السياسيون في لبنان، فمنذ بدء الأزمة السورية وهذا الجدل قائم، لا بل أن وتيرته ارتفعت في الآونة الأخيرة على خلفية الهجوم الذي شنه الإرهابيون على موقع لحزب الله في عين ساعة، وترافق ذلك مع هجوم سياسي مرتفع الحدة شنه الرئيس سعد الحريري ضد حزب الله محملاً إياه كامل المسؤولية عما يجري في لبنان سياسياً وأمنياً، وفيما يتبادل الطرفان الإتهامات حول الشلل القائم في لبنان ودخول حزب الله الحرب في سوريا لا يبدو ما يشير في الأفق الى أن هناك مشاريع حلول او تسويات تؤدي الى إنهاء الأزمة في سوريا وفي لبنان، لا بل إن الأمور تزداد تعقيداً في ظل تشبث كل فريقٍ برأيه وتخوين الآخر، فإلى متى يستمر هذا الجدل العقيم، فلا حزب الله في وارد التراجع عن قراره في الدخول الى سوريا لأنه يرى حسب قناعته أنه لو لم يذهب الى سوريا سوف تأتي الحرب إليه وتجتاح المجموعات الإرهابية الأراضي اللبنانية المحاذية لسوريا، فيما يرى الفريق الآخر أن دخول الحزب الى سوريا استجلب الفتنة، وكذلك لا نية للفريق الآخر بالتراجع عن مواقفه، وهو سيسير في تصعيد مواقفه الى أجلٍ غير مسمّى...
وفي ظل هذه الأجواء المشحونة يغيب عن الفريقين أنّ لبنان يسير على حافة الهاوية وأي اشتداد للعاصفة التي تضرب المنطقة سوف تسقطه في مستنقعٍ رهيب يصعب الخروج منه والكلُّ خاسر فيه.
ومَن يرصد ما يجري في المنطقة يدرك أنّ الحرب القائمة في سوريا لم تعد حرباً بين نظام ومسلحين، إنها حروب الكبار على المصالح الإقتصادية الكبرى وتقاسم الحصص والنفوذ والنفط والغاز وهي حرب طويلة ستمتد لأجيال وأجيال وسيطول هذا النزف اليومي طالما أنّ المصالح الدولية والإقليمية ما زالت متباعدة وكل طرف يسعى الى تسجيل نقاط على الآخر....
والكلمة اليوم هي للميدان، فمن يُمسك بالأرض سيمتلك فيما بعد القرار لكن هذا الأمر مستبعد لدى الأطراف المتحاربة نظراً لاتساع المساحة الجغرافية التي يتواجه فيها الطرفان وهذا يعني أن الحرب الدائرة لا أفق لها، ويبدو أنّ معارك الكر والفر ستطول أيضاً في المناطق الحساسة التي تحاول الدول الكبرى وضع اليد عليها...
إنطلاقاً من هذا الواقع، أين نحن في هذا الصراع؟ وهل يتحمل البلد المزيد من الإنقسامات والتمذهب؟ ألم يحن الوقت لتجلس الأطراف كلها في مؤتمر وطني يسحب فتيل الأزمة ويطوي الخلافات؟ لقد تقاتلنا في لبنان عشرين عاماً ثم عدنا الى طاولة التسوية، فهل ننتظر حرباً أخرى لنجلس الى طاولة جديدة...؟ أليس جديراً بالفرقاء السياسيين أن يجترحوا حلولاً أمنية واقتصادية واجتماعية تطرد القلق المرتسم على وجوه اللبنانيين؟
العالم كله يفتش عن مصادر الطاقة ونحن في لبنان نفتش عن مصادر الخلاف فيما يبقى نفطنا وغازنا تحت رحمة إسرائيل. ليس العيب في أن نختلف إنما العيب يكمن في أن نتخلى عن ثرواتنا ونتلهى بقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع...
أيها السياسيون، الحرب في سوريا لا أفق لها، وكفانا مراهنات وكفانا خلافات، نريد لبنان القوي بأبنائه المتماسكين فلا تأخذوهم الى حلبة الإنتحار مجدداً...