الجيش في خير، أو هكذا نريده، ونأمل له. هو المؤسسة الوحيدة المتبقية للزمن الصعب. مهماته لا تعدّ ولا تحصى، في ظل استسلام مؤسسات أمنية أمام عجزها عن فرض الأمن الداخلي، وتسليم زمام الأمور الداخلية لوحدات الجيش. في الأيام الأخيرة، جرت محاولات اعتداء على عسكريين في أكثر من منطقة، وخصوصا في الشمال، المنطقة الأكثر احتضاناً للمؤسسة العسكرية، وخزّانها البشري الأول. محاولات لا ترقى الى معاداة الجيش، أو تنقص من حب المؤسسة المتوارث من الاهل الى الابناء. ومهما قيل في ذلك من عبارات تحريض، وكلام على بيئة حاضنة للارهاب ومعادية للجيش، فانما يبقى تحريضاً رخيصاً، مهيناً لمواطنين اصيلين في انتمائهم للبنان وفي الدفاع عنه. فالكثير من ابناء عكار تحديدا بذلوا دماءهم في صفوف الجيش، ولم يتوان اخوة لهم عن التطوع للخدمة في الاسابيع والاشهر اللاحقة، ولم تخرج اصوات والدين تدعو الابناء الى الفرار أو تجنب الخدمة المقدسة.
في اليومين الماضيين حصلت عمليات فرار معدودة، ولا يهمنا ان كان هؤلاء الفارون وعددهم اربعة، يعانون امراضا نفسية وانفصاما في الشخصية أو ما شابه، بل يكفي النظر الى ذويهم الذين اصيبوا بصدمة من جراء ما اقدم ابناؤهم عليه، كأنهم الحقوا بهم العار، وتخلوا عن المقدسات. نظرة سريعة تؤكد الانتماء والاحتضان الوطنيين.
ولنعترف بأن المعارضة السورية لاقت تعاطفا كبيرا لدى السنّة في لبنان، وحتى اعمال – ارتكابات - "داعش" و"النصرة" في مواجهة النظام السوري و"حزب الله" وايران من ورائه، قوبلت بتأييد خجول، لا من باب الترحيب بالارهاب، بل نكاية بسياسات لم تأخذ في الحسبان كيانية المجموعات الطائفية اللبنانية وخصوصياتها، وهو ما حصل في العراق حيث كان الانقلاب الكبير المستمر.
لكن الحقيقة ايضا ان الطائفة السنية تبقى الى اليوم الخزان البشري لكل الاجهزة الامنية بنحو 50 في المئة من مكوناتها، وهذا يعني بلغة الارقام ان نحو 50 الفا هم من اهل السنة، اذا افترضنا ان عديد الجيش والقوى الامنية في لبنان يبلغ نحو 100 ألف ما بين متطوع ومتعاقد. وفي علم الحساب ايضا، ان فرار 4 جنود للالتحاق بتنظيمات ارهابية، أو لاي سبب آخر، لا يعني ضعفاً أو تراجعاً في عمل هذه المؤسسات، أو في انتماء طائفة اليها. والفرار لغة لا يعني انشقاقا يروج له البعض، فالانشقاق يصيب الجيش عندما تعلن كتيبة أو سرية انتفاضة على القيادة، أو الالتحاق بأمرة مجموعة من الضباط أو انفصاليين أو تأتمر بقوى خارجية. اما خروج 4 عسكريين فحدث بسيط لا يستحق التوقف عنده والبحث في اسبابه، لأن هؤلاء ليسوا كوادر اساسية، ولم يكن احدهم في موقع قرار، بل على العكس فإن تسليط الضوء على حوادث فردية من هذا النوع، انما يشكل خطيئة، ليس بحق الجيش فقط، وانما بحق الوطن.