تشي سلسلة الأحداث الممتدة منذ معركة عرسال، خصوصاً، باستهداف مباشر للمؤسسة العسكرية وما تمثله من ضمانة. وعليه يبرز سؤالان، الاول حول ارتباط هذه الأحداث بمخطط محكم، والثاني حول ردات فعل الطبقة السياسية إزاء ما يحصل، بما هو عامل منبّه لضرورة تجاوز المهاترات وتحصين المؤسسات.
"ليست حوادث عابرة"
أمين سر "تكتل الاصلاح والتغيير" ابرهيم كنعان اعتبر ان "ما يتعرض له الجيش ليست حوادث عابرة، بل ممنهجة تستهدف العمود الفقري للدولة والوحدة الوطنية"، لافتاً الى أن "الجيش هو نسيج من كل العائلة اللبنانية يرمز إلى قوة معينة، لذلك فان ضرب هذه القوة يعني ضرباً للبنان ومجتمعه ".
ورأى كنعان في حديث لـ"النهار" ضرورة أن "تتحلى الطبقة السياسية بالوعي وعدم ترك أي ثغرة تتعلق بموضوع دعم الجيش والالتفاف حوله وتأمين المناخات السياسية كي يبقى لديه الدعم المطلوب من مجتمعه".
وعن حالة الفرار من الجيش، قال: " لا اسمّيها حالة فرار، ويجب معرفة خلفياتها فربما يكون الجندي الفار فاشلاً أو لديه مشاكل شخصية... نحن نتحدث عن حالة استثنائية لا يجب التوقف عندها، فالجيش قوي بلحمته وتماسكه".
"أما الأولويات اليوم فهي في عدم انتظار هبات للجيش قد تأتي أو لا تأتي، وهذا الجيش في حاجة لكل فلس أرمني، لذلك يجب اقرار قانون برنامج لتسليح الجيش في أي جلسة تشريعية مقبلة وتأمين الواردات له، وأنا كرئيس لجنة مال وموازنة أعلم تماماً أنه باستطاعتنا تأمين هذه الواردات"، ختم كنعان.
"الأمر ليس جديد"
العميد المتقاعد وهبي قاطيشا اعتبر في حديث لـ"النهار" أن "ما يتعرض له الجيش اللبناني ليس جديداً، فعملية الاغتيال التي تعرض لها الشهيد ميلاد عيسى وهو على مفرق الريحانية في عكار وكذلك الأحداث التي يتعرض لها الجيش في طرابلس وغيرها من المناطق تدخل ضمن الحالة العامة للبلد. أما حالة الفرار فهي طبيعية وتحصل في جيوش العالم أيام السلم والحرب".
قاطيشا أرجع ما يتعرض له الجيش إلى الحالة السياسية العامة، والى أحداث المنطقة التي أفرزت منظمات ارهابية تحاول جاهدة الانتشار وتخطي الحدود، و"بما أن الجيش هو العمود الفقري لبناء وقوة الدولة ومؤسساتها، فهو مستهدف من قبل الارهابيين وبعض القوى التابعة للنظام السوري التي تعمل على أن لا يكون الوطن تابعاً لسلطة الدولة والجيش".
واعتبر أنه "طالما لسنا ملتفين حول الدولة، وطالما توجد قوى تعتبر أن لها الحق في حمل السلاح وفرض دويلة على الدولة، وطالما تعجز الدولة عن معالجة قضايا النازحين السوريين فبلا شك أنها ستعاني من الضعف الذي سيؤثر على المؤسسة العسكرية، لذلك الحل الوحيد يكمن في الاحتماء بالدولة وتقويتها وجعلها القوة الوحيدة".
مخطط محكم
بخلاف قاطيشا، اعتبر العميد المتقاعد أمين حطيط أن من "يتابع مسار الأحداث في لبنان، خصوصاً منذ سنتين إلى اليوم، يستطيع التوصل بسهولة إلى أن هناك مخططاً يستهدف الجيش كونه عقبة في وجه المتطرفين الذين يهدفون إلى وضع اليد على كل لبنان أقله في المنطقة الشمالية".
وقال لـ"النهار" أنه " تم وضع لبنان وفقاً للمخطط الارهابي للمتطرفين ضمن خريطة الدولة المزعومة، لكن وجود الجيش والمقاومة يمنع الارهابيين من التوسع إليه". وفي رأيه، فان مخطط الانقضاض على الجيش يكون عبر طريقتين، "الاولى في قتاله واحتلال مراكزه، وهي الطريقة التي نفذها الارهابيون أكثر من مرة، وفي كل مرة كان الجيش يستعيد توازنه ويمسك الأرض ويعيد المراكز إلى قبضته، أما الطريقة الثانية فهي اشاعة البلبلة داخل صفوف الجيش على أساس طائفي وإشاعة التخويف والترهيب باستهداف العسكريين منفردين أو اطلاق النار عليهم أثناء حركتهم المختصرة بدوريات بسيطة واغراء عدد من العسكريين من طائفة معينة لترك الجيش وتصويرالمسألة وكأنها خدمة للدين".
لا قيمة لحالة الفرار
ورأى حطيط ان "حادثة فرار العسكري لا قيمة لها في جيش عديده 57 ألف عسكري، وأن حالة الفرار ليست جديدة لكن التركيز الاعلامي عليها هو الخطأ. كما اعتبر استخدام عبارات مثل المنشق والانشقاق تدخل ضمن الحرب النفسية التي تخدم الارهابيين".
رغم الملاحظات...
"أياً يكن نحن مطالبون بدعم الجيش، ومهما كان هناك ملاحظات عند البعض يبقى دعم الجيش خارج اطار أي نقاش، كما يجب أن نكون متنبهين لوأد الفتنة ومنع ظهورها"، هذا ما قاله عضو كتلة "المستقبل" النائب عمار حوري لـ"النهار" معتبراً أن "ما يحصل حالات فردية متفرقة لا تعبّر عن بيئة أو عن رأي عام، والمؤشرات تدلّ الى حد الآن عن كونها حوادث فردية ليست متصلة ببعضها وكذلك فيما يتعلق بحالة الفرار، ومع ذلك يجب التنبه واليقظة".
"لم نتعلم شيئاً"
من جهته، طالب النائب معين المرعبي "بانتشار الجيش اللبناني على الحدود الشمالية وتطبيق القرار 1701 واستدعاء الاحتياط، وتركيز انتشاره في الشمال كما حصل في عرسال".
وقال "إذا لم تتم عملية اصلاح ومحاسبة في المؤسسات كافة، واذا لم يكن هناك شفافية تامة وتوازن بالتعاطي مع الفئات اللبنانية... فالعوض بسلامتنا".
"اللاصق اللاقط"
عضو "كتلة التنمية والتحرير" النائب ياسين جابر قال لـ"النهار": " يبدو أن الأيام لم تعلمنا شيئاً، سيّما خطأ سنة 1975 حين لم يسمح للجيش أن يتحرك ويمسك بالأرض ما أدى إلى مصائب ومآسي استمرت 15 سنة، وما وقع قبل فترة من حوادث ضد الجيش كنا ندخلها ضمن الاطار الفردي، لكن بدأنا نشعر في الايام الأخيرة أن هناك مخططاً لاستهداف الجيش، فالارهابيون لا يتعرضون لجندي يقاتل على الجبهة بل جندي يمرّ على الطريق، لذلك على الجيش أن يضرب بيد من حديد ويستهدف الفاعلين والمخططين".
واعتبر جابر ان "فرار الجندي حالة فردية تحصل في أي دولة، وأن الجيش بكافة عناصره أظهر تماسكه"، مضيفاً ان "المؤسسة العسكرية والقوى الأمنية هما ضمانة للبنان ولاستمراريته، واللاصق اللاقط للوطن، لذلك يفترض أن ننسى مهاتراتنا وخلافاتنا وانشقاقاتنا وجدلنا السياسي البيزنطي ونرى ما يجب فعله اليوم وكيفية أن نتوحد كي نكون جبهة واحدة ملتفة حول الجيش والقوى الأمنية".
أسرار شبارو