وفق احصاءات المفوضية العليا للاجئين فإن نحو مليون ونصف مليون الف لاجىء سوري موجود في لبنان، أي تقريباً ثلث عدد سكان لبنان. هذا الرقم وحده يشكل مشكلة في ذاته اقتصادية واجتماعية وحتى أمنية وفي حاجة الى معالجة، اذ ان لبنان لم يعد في مقدوره استقبال اي لاجىء جديد في ظل شح المساعدات التي من المفترض ان تقدمها الدول المانحة، من دون ان ننسى العامل الامني الذي يفرض نفسه. وهذا ما دفع لجنة اللاجئين السوريين الى اتخاذ قرارات عدة في اجتماعها الاخير في السرايا الحكومية، منها ضبط الحدود بين لبنان وسوريا واستمرار مراقبة اللاجئين الموجودين على الاراضي اللبنانية وتطبيق قانون العمل في ما يتعلق بشروط استخدام اليد العاملة غير اللبنانية.
اقتصادياً، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن "المسألة تفاقمت جداً ووجدنا أن الارقام أصبحت تشكل خطراً داهماً، واتخذت الحكومة قراراً ابلغته الى الجهات الدولية، نحن لن نقبل نزوحاً بعد الآن، لأن الوعاء لم يعد يتحمل قطرة ماء واحدة". ووصف هذا الملف بالخطر جداً "ويساوي وجود لبنان واستقلاله، وأننا نعيش فوق برميل من البارود ينفجر فينا في كل لحظة". كما أعلن ان خسائر لبنان من اللجوء السوري صارت ما بين 15و16 مليار دولار. وفق مصدر مطلع فإن انعكاس هذا الملف ليس فقط اقتصادياً ومالياً بل أيضاً اجتماعي. مثلاً، التلامذة اللاجئون يتعلمون في مدارس لبنان منذ 3 سنوات وهم لا يستطيعون العودة لأن المناهج التربوية اللبنانية تختلف عن السورية. والاخطر من ذلك ان تقرير الادارة الاميركية الذي ناقشته مع الامم المتحدة يورد انه لو انتهت الحرب في سوريا فلن يستطيع السوريون العودة الى بلادهم قبل 5 او 10 سنوات بسبب واقعهم الاقتصادي. في حين يرى آخر ان عودتهم مضمونة اذ ستفتح فرص العمل للسوريين نتيجة الاعمار.
أما أمنياً فبات تنظيم وجود هؤلاء اللاجئين ضرورة، وفق عدد من المسؤولين اللبنانيين، خوفاً من انفجار الوضع الامني. لكن اقامة مخيمات للاجئين السوريين في لبنان تشكّل أزمة سياسية حقيقية بين الفرقاء السياسيين. حالياً يوجد 1400 مخيم عشوائي موزعة في المناطق اللبنانية، تضم 18% من اللاجئين في حين أن 82% منتشرون في معظم انحاء لبنان، أي انهم يتغلغلون في النسيج اللبناني، وهذا أمر يشكل في ذاته خطورة. فالجيش اللبناني ينفذ يومياً مداهمات في هذه المخيمات اذ ان عدداً من الارهابيين يلجأون اليها، على غرار ما هو حاصل في مخيمات عرسال وحتى عكار، اضافة الى المداهمات على بعض اماكن تواجد سوريين في كل المناطق اللبنانية.
اذاً معالجة موضوع مخيمات اللاجئين تقسم فريقي النزاع في لبنان. "حزب الله" يرفض اقامة المخيمات في لبنان وكذلك وزير الخارجية جبران باسيل الذي أعلن تخوّفه من ان تكون هذه المخيمات داخل الاراضي اللبنانية مقدمة للتوطين على غرار ما حصل مع المخيمات الفلسطينية. في حين ان الفريق الآخر ينادي بإقامة هذه المخيمات على الحدود اللبنانية – السورية من اجل مراقبتها وضبط حركة اللاجئين. علماً ان الوزير درباس بدأ أمس زيارة الى الكويت من اجل حلّ هذه الازمة، وهو كان أعلن سابقاً ان دولة الكويت مستعدة لتمويل اقامة هذه المخيمات. لكن هل تستطيع الحكومة اللبنانية ضبط ومراقبة أكثر من مليون لاجىء في هذه المخيمات والعمل على ألا تصبح بؤراً للارهابيين؟ وفق أحد المتابعين انه نتيجة هذين التجاذب والتباين في هذا الملف، بات من الملح العمل على ملف اللاجئين السوريين بعيداً من التوظيف السياسي بما يحفظ أمن لبنان وسيادته، اذ ان الحكومة لا تنقصها ملفات اضافية خلافية بين مكوّناتها.