كان من السخف ان يشير جون كيري الى وجود استراتيجيا أميركية لمواجهة "داعش" لأن اميركا لا تملك هذه الاستراتيجيا، ومن الواضح أن ليس لدى باراك اوباما أي رغبة فعلية في امتلاك هذه الإستراتيجيا، والدليل هو المواقف الاميركية المتناقضة حيال ما يجري في العراق وسوريا!

منذ البداية أُعلن ان اميركا ستكتفي بالضربات الجوية ولن ينزل اي جندي الى الأرض، لكن سرعان ما أجمع المسؤولون في واشنطن وعواصم التحالف الدولي، على ان الضربات الجوية لن تتمكن من وقف تقدم الارهابيين، وهو ما يطرح السؤال: هل تريد واشنطن فعلاً ان يتم تدمير "داعش"؟
ما حصل ويحصل في كوباني فضيحة تاريخية موصوفة، ذلك ان تصريحات المسؤولين الأميركيين ليست اكثر من تسليم استباقي بسقوط تلك المدينة الباسلة، التي قالوا هم والأتراك انهم لن يسمحوا بسقوطها، ثم تبيّن انهم يتركونها لمصيرها الأسود امام "داعش" التي تهاجمها بالاسلحة الثقيلة التي غنمتها من الجيش العراقي في الموصل، في حين يقاتل الكرد رجالاً ونساءً واطفالاً لمنع الارهابيين من اجتياحها وارتكاب المجازر!
اذا انهارت كوباني امام المتوحشين، سيلوّث العار جبين المسؤولين في واشنطن وانقرة، وخصوصاً انهم ينهمكون في الجدال حول المطالب والشروط، لكن لطالما تم ذبح الأخلاق في ميادين القتال، فها هو جون كيري بعد كل ما قيل عن الحرب ضد الارهابيين يعلن بكل فظاظة:
"ان الحيلولة دون سقوط كوباني في ايدي مقاتلي "داعش" لا تمثل هدفاً استراتيجياً للولايات المتحدة، من المروّع متابعة ما يجري هناك لكن عليك ان تتروى وتتفهم الهدف الإستراتيجي، ذلك ان الأهداف الأصلية لجهودنا هي مراكز القيادة والسيطرة والبنية الأساسية للإرهابيين"!
عن أي هدف استراتيجي يتحدث كيري عندما تُترك مدينة يقطنها نصف مليون انسان لمصيرها البشع امام أعين تحالف من اربعين دولة، وما معنى الإستراتيجيا عندما تتحول في نظر الإدارة الاميركية مراقبة سخيفة لمدينة يذبحها الإرهابيون؟
لكن السياسة المتوحشة لا تقتصر على إدارة اوباما، فها هو رجب طيب اردوغان الذي سبق له ان قال: "ان كوباني خط احمر" يرفض التحرك ميدانياً لإنقاذها، اولاً لأنها مدينة كردية، وثانياً لأن واشنطن لم تستجب مطالبته بإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية، وثالثاً لأنها لم تقتنع بعد بضرورة اسقاط الاسد مع "داعش" وهو ما يريده اردوغان، وهكذا تستمر الغارات الجوية على مراكز الإرهابيين على تخوم تلك المدينة وتستمر تصريحات الاميركيين عن ان الغارات لن تنقذها.
كان ينقص ان يدلي سيرغي لافروف بتصريح كتبه له ابو بكر البغدادي، عندما قال ان عمليات التحالف ضد "داعش" لا تملك اساساً قانونياً، ولكأن عمليات روسيا في اوكرانيا تستند الى القانون!