يــجــمع الـــقـادة الإسرائـيـلـيون، السياسيون والعسكريون، على أن الحادثين اللذين وقعا خلال يومين في الأسبوع الجاري في منطقة شبعا، هما مجرد حادثين منفردين. ويشبّهون هذين الحادثين بحادث تسلل الطائرة السورية التي تم إسقاطها قبل أسبوعين فوق الأجواء الجولانية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. ولكن هناك قوى، ما زالت تعتبر أقلية ترى أنه "من الصحي أكثر النظر إلى الحادثين كجزء من سلسلة طويلة من الأحداث التي وقعت في السنة الأخيرة على الحدود الشمالية - في لبنان وسوريا - والتي تشير في شكل واضح إلى وجود بصمات لـ "حزب الله"، والاستيعاب بأن التنظيم الشيعي ينوي تغيير شروط اللعبة، بل بدأ في تغييرها".
وتحذر هذه القوى من أن "حزب الله" يستمد تشجيعاً من الحرب في قطاع غزة ليوجه ضربات إلى الجيش الإسرائيلي، من خلال الاقتناع بفرضية تقول إن "إسرائيل لا تريد الحرب مع لبنان خوفاً من القصف الصاروخي"، وإن اعتراف "حزب الله" وتباهيه بهذه العمليات يأتي بعد أيام فقط من قول رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، بأن جيشه نجح في سياسة ردع "حزب الله" طيلة 8 سنوات (أي منذ 2006).
ويقول أحد القادة البارزين من هذه القوى، في تصريح لصحيفة "يديعوت أحرونوت" رفض فيه الإفصاح عن اسمه: "الخط الحدودي يتغير أمام ناظرينا، ويمكن ملاحظة ازدياد وجود نشطاء حزب الله بعضهم بالزي العسكري وبعضهم غير مسلح. كما يمكن رؤية الكثير من أعلام حزب الله في القرى الحدودية، وملاحظة سياسة جديدة للتنظيم تنجح بردع إسرائيل أيضاً".
وعزا هذا المسؤول تحركات "حزب الله" إلى أنها جاءت رداً على قيام إسرائيل بتغيير قواعد اللعبة. ويضيف: "يبدو أنه ليس مصادفة أننا لا نسمع عن هجمات لسلاح الجو الإسرائيلي ضد تهريب الأسلحة من سورية إلى لبنان. ففي شباط الأخير تم الهجوم جواً على قافلة كانت تقل شحنة من الصواريخ المتطورة المضادة للطائرات من سوريا إلى لبنان. وأوضح نصرالله بواسطة أحد الصحافيين المقربين منه أنه لن يسكتت على ما أسماه "تغيير شروط اللعبــة من جانب إسرائيل" بعد قيامها، وفق ما نشــر، بمهاجمة الأراضي اللبنانية. ومنذ ذلك الحين شاهدنا سلسلة من العمليات ضــد قوات الجيش الإسرائيلي في المنطقة اللبنـانية وفي الجانب الشمالي من الحدود مع سوريا، والتي وإن لم يعلن "حزب الله" مسؤوليته عنها، إلا أنه كان واضحاً تورطه فيها. ففي آذار تم تفعيل عبوتين ضد دورية عسكرية إسرائيلية على جبل روس، تزن كل واحدة منهما 20 كيلوغرماً.
وكان يمكن حادثاً كهذا أن ينتهي بأربعة قتلى وجر إسرائيل إلى حرب لا ترغب فيها، وفي وقت لاحق جرت محاولة لزرع عبوة استهدفت كتيبة المظليين 202 على الحدود السورية، وفي تلك الحادثة، أيضاً، انتهى الأمر، لحسن الحظ، إلى عدم وقوع ضحايا وإنما إصابات فقط. وفي المقابل وقعت ثلاثة أحداث أخرى لم يكشفها الرادار الإعلامي. وكان التقدير يومها بأن "حزب الله" يحاول توجيه ضربات خفيفة لإسرائيل من دون المخاطرة بحرب، فهو ينشغل الآن في الحرب السورية، ولديه مشاكله الداخلية مع تنظيمات الجهاد العالمي التي تهدد باحتلال أجزاء من سوريا ولبنان. ولكن "حزب الله" قرر أن يتحدى إسرائيل".
تصعيد يلائم الاسرائيليين
لقد جاء تصعيد "حزب الله" ملائماً جداً لسياسة الجيش الإسرائيلي، إذ إنه كان في أوج الانشغال في حربه على الموازنة. فهو يطالب بزيادة حوالى 3 مليارات دولار، مدعياً أنه لم يبنِ قوته كما يجب لمواجهة التحديات الجديدة، ولم يدرب قوات الاحتياط ولم يتزود بالأسلحة المطلوبة لحربه المقبلة على الجبهة الشمالية مع "حزب الله". وقد حاولت وزارة المالية الإسرائيلية صد ادعاءات الجيش لكي تقلص هذه الزيادة إلى 900 مليون دولار - فقط - ما دفع الجيش إلى الخروج بحملة واسعة لحشد التأييد الشعبي والإعلامي لمطالبه. وراح الخبراء المختصون في شعبة الاستخبارات العسكرية، يستدعون الصحافيين لتجنيدهم في هذه المعركة قائلين: "إن حزب الله يعمل الآن على مستوى الجاهزية العليا لقواته. وإضافة إلى حقيقة امتلاكه 100 ألف صاروخ، فإن ثلث قواته النظامية، قرابة 5000 محارب، يحاربون في سوريا ويكتسبون التجربة العسكرية الكبيرة في مجال الحرب داخل المناطق المأهولة. ويتدرب رجاله على إطلاق الصواريخ ويحضر معدات متطورة إلى لبنان. هكذا مثلاً، تم نقل صواريخ قصيرة المدى من سورية، كتلك التي استخدمها الأسد لتدمير الأحياء. ويصل مدى هذه الصواريخ إلى سبعة كيلومترات ويمكن كل واحد منها حمل مئات الكيلوغرامات من المواد الناسفة، الأمر الذي سيجعل الضرر الذي تسببه لبلدات خط المواجهة في الجليل والمقار العسكرية على الحدود الشمالية يختلف تماماً عن الضرر الذي سببته قذائف الهاون التي أطلقتها "حماس" من غزة".
ويؤكد هؤلاء أنه "حتى وإن كان حزب الله لا يملك، حالياً، مصلحة في بدء الحرب، فإنه يجب التعامل في شكل جدي مع سلسلة الأحداث التي وقعت في الشمال والتذكر بأن حزب الله خطط لحرب لبنان الثانية وندم عليها، وهكذا، أيضا، انجرت حماس إلى الحرب في غزة، من دون أن ترغب فيها. وعلى الجيش الإسرائيلي زيادة جاهزيته واستخلاص العبر من الجرف الصامد بأسرع ما يمكن، كي لا تقود مواجهة أخرى إلى حرب غير مخططة".
وبهذه الطريقة تمكن الجيش من الحصول على 1.5 مليار دولار فوراً لزيادة موازنته، وحصل على وعد من رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو بأن يزيد هذا المبلغ "وقت الحاجة" و"حسب الحاجة". ويفترض أن يشهد الجيش تغييراً في تدريباته حالياً.
الحرب المقبلة
التحضير للحرب لا يعني بالضرورة أن الحرب واقعة، ولكن التجارب تعلم أن مثل هذا التحضير قد يجر رجليك إلى الحرب حتى لو لم تكن ترغب بها. فكم بالحري عندما يكون هناك الكثير من المطالبين بالحرب؟
يوجد في إسرائيل من يطالب الحكومة بألّا تنتظر حتى يقرر "حزب الله" التصعيد الحربي، وفق مزاجه وتوقيته ومصالحه. ويكتب وزير الدفاع السابق، موشيه أرنس: "إن قطع الرؤوس الذي نفذه جلاد تنظيم "الدولة الإسلامية" كان السبب الوحيد الذي أيقظ العالم الغربي على أخطار الإرهاب الإسلامي. فبعد بث العمل الفظيع على شاشة التلفزيون شكل الرئيس أوباما تحالفاً لمحاربة الإرهابيين، وعلى الفور بدأ بقصف أهداف التنظيم. يعرف أوباما وقادة الدول التي انضمت إلى التحالف أن إسرائيل تحارب الإرهاب الإسلامي منذ سنوات طويلة، ولوحدها. إنها تحارب "حزب الله" الممول والمسلح والموجه من إيران - دولة الإرهاب التي وصلت إلى مراحل متقدمة في إنتاج سلاح الإرهاب البديل - القنبلة النووية، وتحارب "حماس"، التنظيم الذي يحمل أيديولوجية مشابهة لـ"الإخوان المسلمين" والمسلح، أيضا من جانب إيران. في الولايات المتحدة وأوروبا يعتبر "حزب الله" و"حماس" تنظيمين إرهابيين، ومع ذلك فان إسرائيل تحظى بتأييد طفيف في حربها ضدهما، بل تتعرض أحياناً للانتقاد بسبب محاربتها لهما".
ويضيف: "هل يوجد حقاً، فارق بين "داعش" و"حماس" و"حزب الله"، يمكنه تفسير الفارق في التعامل معها، وحقيقة عدم تشكيل تحالف لمحاربة "حماس" و"حزب الله"؟ "داعش" و "حماس" و"حزب الله" هي صور متشابهة للإرهاب الإسلامي. "داعش" و"حماس" هما تنظيمان سنّيان، و "حزب" الله تنظيم شيعي، ولكنْ لديها عامل مشترا هو أن ثلاثتها تعتبر الغرب عدواً وتطمح إلى تدمير دولة إسرائيل. هذه التنظيمات وغيرها من تنظيمات الإرهاب الإسلامي، كـ"القاعدة" و"جبهة النصرة" تحمل كلها ذات "الجينات" التي تدعو إلى تدمير إسرائيل".
ويقول أرنس إنه "يجب عدم الوقوع في الخطأ. "حزب الله"، هو أيضا، اعتبر ذات مرة تنظيماً له أهداف محددة: طرد الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. ولكن بعد انسحاب إسرائيل من الحزام الأمني في جنوب لبنان عام 2000، واصل "حزب الله" نشاطه الذي يهدف إلى تدمير إسرائيل. لذلك، فإن هدفه المحدود، ظاهرياً، لم يكن الإنتاج خيال المراقبين الذين يجهلون الحقائق. التعامل مع "داعش" على أنه الخطر الإرهابي الوحيد في العالم، ينبع عن قصر نظر. ولسوء الحظ، فإن هذا الخطر أكبر بكثير ويشمل "القاعدة" و"حماس" و"حزب الله" و"جبهة النصرة"، وفوقها جميعا، إيران".