قد يكون من المبكر الحديث عن «قراءة مختلفة» لِما حصل خلال الأيام الماضية، سواءٌ في مزارع شبعا أو على الحدود الشرقية اللبنانية مع سوريا.
كان لافتاً تعقيب مصدر أميركي مسؤول على الانفجارين اللذين استهدفا دورية إسرائيلية في مزارع شبعا، طارحاً سؤالاً قد يثير استغراب البعض: «هل قرَّر «حزب الله» وخلفه إيران بدءَ الانسحاب التدريجي من سوريا، بلا إعلان واضح ومكتوب؟».يقول هذا المصدر «إنّ قيادة الحزب ليست بالخفّة أو الغباء لتُعلن مسؤوليتها عن عملية شبعا، وهي تعلم أنّ قواعد الاشتباك الشامل مع اسرائيل ليست مزحة». ويؤكّد «أنّ الحديث عن تغيير في هذه القواعد في منطقة المزارع، لا يَشي بتغيير قواعد اللعبة في الجنوب. فالأمران ليسا متشابهين، خصوصاً أنّ الظروف السياسية والإقليمية والموضوعية لمنطق المواجهات التي كانت تحكم النزاع بين الحزب وإسرائيل قد تغيّرت تماماً».
ويرى المصدر «أنّ الأمر قد يكون إعلاناً مفصلياً من جانب الحزب، في محاولة منه لإعادة استحضار حيثية سياسية وإيديولوجية تسمح له مجدّداً في ترميم موقعه ودوره على المستوى اللبناني، بعد الجروح المثخنة التي أصابته في سوريا، وتآكل رصيده على هذا المستوى».
وفي الوقت الذي تعلن فيه الجماعات السورية المقاتلة في مناطق القلمون، وصولاً إلى ما يُعرف بالغوطتين الغربية والشرقية، أنّها تُعدّ لهجوم واسع لا يشمل تلك المنطقة وحدها، بل نقل المعركة الى الداخل اللبناني، تقول أوساط أميركية «إنّ الأمر سيَطرح على إيران وحلفائها، تحدّيات جدّية لتأمين الدفاع عن قواتها المقاتلة في تلك المناطق، مع مراكمة تلك الجماعات لقدرات وخبرات لا يستهان بها، علماً أنّ «جنرال الشتاء» سيفرض سطوتَه على جانبي النزاع».
ويؤكّد المصدر «أنّ إعلان واشنطن أنّ الحرب على «داعش» ستستغرق أقله ثلاث سنوات، والبعض يتحدّث عن 30 سنة، استوجَب تشكيل حلف من 40 دولة لمواجهة هذا التنظيم. وإصرار الإدارة الاميركية على تشكيل قوات محلية في سوريا والعراق لتتولّى هي الحرب البرّية، يعني أنّ احتواء «داعش» ليس أمراً سريعاً ولا متيسّراً».
وعليه، يسأل المصدر: «هل بدأت هذه الحقائق تفرض نفسها على تفكير «حزب الله»، وهل بدأ يشعر بعمق الورطة التي أوقع نفسه فيها، في مواجهة خزان بشري يفوقه مئات المرّات، ويستخدم خطاباً سياسياً مبنياً على أيديولوجية دينية؟»، ويعتبر أنّ «تنظيم انسحابه من «الوحول» السورية سيكون عملاً شاقاً ومتدرّجاً، وسيوظّف له الحزب إمكانات مادّية وإعلامية كثيرة، على رغم غزارة التصريحات التي تؤكّد جهوزيته للمواجهة في أيّ مكان».
في مجال آخر، يؤكّد المصدر نفسه أنّ التعليقات التي صدرت على ما اعتُبر «هفوة» من نائب الرئيس الأميركي جو بايدن حين اتّهم بعض الحلفاء بالمسؤولية عن نموّ «داعش»، لم تُقرَأ على حقيقتها.
صحيح أنّه اعتذرَ عن تصريحاته لكنّه لم يتراجع عنها، ليظهر الأمر وكأنّه تأكيد اميركي أنّ مرجعية القرار في هذه الحرب هي في يد واشنطن، فيما الأوان لم يحِن بعد لتوزيع «المغانم».
أمس الأوّل، أكّدت أوساط عسكرية أميركية، بنحو غير مباشر، أنّ المقايضة التي سعت اليها تركيا مقابل إنقاذ بلدة «كوباني» الكردية، أمكن تجاوزها مع احتمال كسر زخم اندفاعة «داعش» فيها، الأمر الذي سيعيد الجميع الى شروط التدخل الذي تديره الولايات المتحدة في حربها المعلنة على الإرهاب.
فاعتراض واشنطن على المنطقة العازلة كما ترغبها تركيا، تتداخل فيه عوامل عدة، في مقدّمها مرجعية القرار في تلك المنطقة، ومن هي قوى المعارضة السورية المعتدلة التي سيسمح بأن تنتشر فيها. إعتراض يماثله اعتراض آخر للدول العربية المنضوية في التحالف الدولي.
فالتدقيق في هوية تلك المعارضة لن يحصل تحت ضغط الوضع الميداني، سواءٌ على الأكراد أو على الآخرين. هكذا يفهَم إعلان وزير الخارجية الأميركية جون كيري أنّ إنقاذ «كوباني» قد لا يكون من الأهداف الاستراتيجية، مثلما أنّ سقوطها قد لا يكون قدراً محتوماً، والكرة في ملعب أنقرة.
ويختم المصدر: «قد تضطرّ إيران لإعادة حساباتها وحماية أوراقها وأدواتها، في هذه المواجهة التي يتأكّد يوماً بعد يوم أنّها ستكون طويلة المدى، ما قد يسمح بالاستنتاج بأنّ سحب «حزب الله» من سوريا قد يكون مطروحاً»! جاد يوسف