وعَد الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني بهبة عسكريّة للجيش، وفجأةً، وبسحر ساحر يُعلن وزير الدفاع الفرنسي أمام الجمعية الوطنية أنّ المليارات السعوديّة الثلاثة في الطريق نحو التنفيذ.
لا السلاح الإيراني تسَلّمه الجيش، ولا السلاح الفرنسي وصل، وما بقي من المشهد ليس بالقليل، إنّه تأكيد استمرار الاشتباك ما بين النفوذين السعودي والإيراني.زيارة الرئيس سعد الحريري إلى باريس مهمّة. أكّدت على الأقل أنه ما زال للبنان موطئ قدم في الإليزيه، وقدرٌ من الاهتمام في مصيره ومستقبله، وسط أحزمة النار التي تسوّره، والمدى المفتوح على الفراغ. ثمّة من يقول إنّ صالون كنيسة مار مخايل في الشيّاح أهمّ، وأنّ اجتماعاً يضمّ الحريري والأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصرالله، ربّما يخلط الأوراق مجدّداً، ويؤدي إلى إعادة النظر في الحسابات المحليّة والإقليميّة، وحتى الدوليّة على الساحة.
لكنّ الصالون لا يزال مقفلاً بإحكام، واللقاء مستبعَداً. صحيح أنّ باريس «مربط خيلنا»، ولكن زيارتها هذه الأيام، قد لا تؤدي الى أيّ نتيجة، سوى إضافة مزيد من المداميك على جدار الكيديات.
تركت محادثات مساعد وزير الخارجيّة الإيراني للشؤون العربيّة والإفريقيّة حسين أمير عبد اللهيان مع الأمير سعود الفيصل الباب مفتوحاً، لكن على رغم مرور أسابيع على زيارته المملكة، لم يتسلل بصيص أمل.
كان متوقّعاً أن تمهّد المحادثات لزيارة حجّ يقوم بها الرئيس حسن روحاني، إلّا أنّ عيد الأضحى مرَّ، ولم تحصل الزيارة، حتى إنّ كواليس الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، لم تشهد أيّ لقاء بين رئيسي وفدي البلدين لاستكمال مسيرة الانفتاح.
ما زلنا في المربّع الأوّل، وربّما أبعد. الحديث في بيروت عن هبة إيرانية للجيش هو أبعد من السلاح، إنّه حديث عن المقبل من الأيام. لم يأتِ شمخاني الى بيروت ليبشّرنا بالهبة، جاء لشأن آخر، ومهمّة أخرى.
نقل الى نصرالله، ما عند طهران من معلومات تتصل بمستقبل الحدود اللبنانية - السوريّة المشتعلة، والتحدّيات التي تنطوي عليها، وكيف يفترض مواجهتها. أوّل الغيث بعد الزيارة، تمثّلَ بالعطب الذي أصاب وساطة الموفد القطري للإفراج عن العسكريّين المخطوفين.
تركيا تريّثت على رغم أنّ الرئيس رجب الطيب أردوغان كان قد وعَد رئيس الحكومة تمام سلام بالعمل على بذل الجهود، وعدم التباخل في اتّخاذ الإجراءات المناسبة، إلّا أنّ أنقرة لم تبادر لغاية الآن، والسبب أنّ إيران وقفت لها في المرصاد، بعد المواقف الفضفاضة التي أدلى بها أردوغان، واشتراطه المشاركة في الائتلاف الدولي لضرب الإرهاب من جهة، وإقصاء الرئيس بشّار الأسد من جهة أخرى.
العبث بالمعادلات القائمة في كلّ من لبنان وسوريا والعراق، لا يسمح به المحور الإيراني. لتركيا أن تقول ما تشاء، أمّا أن تُنفّذ فهذا من شأنه أن يسقط توازنات، ويطيح بأحلاف واستراتيجات، ولا يمكن للعنجهيّة التركيّة أن تتحمّل أوزار هكذا مغامرات.
بعد زيارة شمخاني، اشتعلت جبهة بريتال، واشتعلت معها الحساسيات المذهبيّة، لم يعُد الخبر متمحوراً على الهجوم الذي شنّته «جبهة النصرة»، بل على عدد الإصابات، ومَن تفوّقَ على مَن؟ وهل تلقّى الحزب درساً لن ينساه على خلفيّة أنّ الحدود المفتوحة، والجبهات المفتوحة، والذي يعود له كثير من الفضل في المساهمة بفتحها، لن تكون مجرّد نزهة لمقاتليه.
وبعد الزيارة تشنّجَ الوضع في مزارع شبعا، ويبدو أنّ العبوة الناسفة التي تبنّاها الحزب لها غرضان: رفع معنويات جمهوره ومقاتليه بعد الخسائر في بريتال. ثمّ إبلاغ إسرائيل أنّ الحزب على اطّلاع كافٍ ووافٍ على ما تخطّط له في مثلّث البقاع الغربي - القنيطرة - مزارع شبعا، وليست هي مَن يُقرّر فتح هذه الجبهة، وإن كانت «النصرة» قادرة على نقل الحريق من عرسال الى بريتال حتى المزارع في الوقت الذي تختاره، والشكل الذي تريده.
وفي انتظار أن يصل السلاح الفرنسي إلى الجيش، يصحّ القول أن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، إلّا إذا حصلت مفاجآت بدّلت المسارات بحيث تصبح الأولويّة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، وإن كان مجرى الريح لا يصبّ في هذا الاتّجاه.