قررت أمُّ أحد الجنود اللبنانيين المختطفين لدى "داعش" ارتداء الحجاب لتجنيب ابنها تبعات "سفور أمه"! ففي اعتقادها أن ذلك قد يُخفّف عن ابنها حنق خاطفيه، وقد يدفعهم إلى الرأفة به. إخفاء هويّة الأمّ ربما كان مفيداً لدرء مزيد من مخاوفها على ابنها.
قررت أمُّ أحد الجنود اللبنانيين المختطفين لدى "داعش" ارتداء الحجاب لتجنيب ابنها تبعات "سفور أمه"! ففي اعتقادها أن ذلك قد يُخفّف عن ابنها حنق خاطفيه، وقد يدفعهم إلى الرأفة به. إخفاء هويّة الأمّ ربما كان مفيداً لدرء مزيد من مخاوفها على ابنها.
الخبر صاعق فعلاً، وهو لا يقل عمّا تحمله أخبار "داعش" وصورها وفيديواتها من سفك للدماء وللرقاب، لا بل هو يفوق هذه الصور في فداحته وفي قسوته. فصورة قطع الرقبة تحيلنا إلى صاحبها الذي قضى، وإلى أهله الذين باشروا طقوس حزنهم وفقدهم، أما في حالة هذه الأم، فالذبح دائم ومتعاقب تعاقب الأيام، وهي من أجله أقدمت على الاستجابة لما لم يُطلَب منها فعلاً، ذاك أنني لا أعتقد أن "داعش" طلبت من الجندي تحجيب أمه!
القسوة التي مارستها الأمّ على نفسها بارتدائها ما لم تكن ترغب في ارتدائه، كان من المفترض أن يُسقِط الحكومة. فنحن اليوم نعيش في بلد أقدمت فيه أمٌّ على ارتداء حجاب، غير مقتنعة بما فعلت، وغير مُجبرة على ما فعلت. فهي تصورت أن الحال يقضي بأن تتحجّب. لبنان، دولةً وحكومةً ومجتمَعاً، هو من دفع هذه الأمّ إلى هذه الفِعلة. الفراغ الهائل والمخيف الذي يُدار فيه ملف المخطوفين من الجنود. الفراغ الهائل والمخيف الذي اختُطف في ظله الجنود. الفراغ الهائل والمخيف الذي فتح الحدود وجعلها عرضة للإرهابيين.
هل علمتم أيها الوزراء بما فعلته هذه الأمّ؟ لقد تحجبت من أجل ابنها. فكّرت في أن الخاطفين يرغبون بذلك، وأنه لن يساعد ابنها غير استجداء الرأفة. لم تفعل ذلك لتصفع وجوهكم بحجابها، فعلته فقط من أجل الرأفة بابنها. لم تفعله لتقول إن حكومةً ومجتمعاً تعيش في كنفهما جائران جَور الذكور، وأن لا قوة لها على معاقبتهما سوى بحجب شعرها... ثمة ما هو أهم بالنسبة إليها، وهو حياة ابنها.
علينا نحن أبناء الأمهات المحجبات أن نغضب من حجاب أمهاتنا. فهذه الشعيرة التي فُطرنا على أنها حقيقة أمهاتنا وأحد مصادر إلفتهن، تحولت بعد فعلة أمّ الجندي وسيلة لاستجداء الرأفة. علينا أن نعرف أن ثمة أُمّاً أهينت من أجل ابنها، ولكي نعيد إليها توازنها علينا أن نُقنع أُمّاً محجبة ومقتنعة بحجابها بأن تخلع الحجاب. أي أن تحتجّ أمٌّ على خطف أبناء غيرها من الأمهات بأن تخلع حجابها.
لا يمكن ردّ الإهانة التي تعرضنا لها جميعنا من دون فعلة من هذا النوع. فعلى هذا النحو نُدافع عن حجاب أمهاتنا وعن شرعيته. أن لا نُجبر أُمّاً على ارتدائه، وأن لا نقايضه بحياة ابنها. فلا إهانة يمكن أن تصيب الحجاب أقوى من هذه الإهانة. وأمهاتنا اللواتي تحجبن لأنهن في حضرة الله، ها هن الآن يشهدن على جَور الحجاب، وعلى لحظة غياب الله.
المصدر:ناو
في