ان جرح ثلاثة جنود إسرائيلين بتفجير عبوة ناسفة على الحدود مع لبنان هو الحادثة الأخيرة من سلسلة حوادث وقعت خلال الشهر الماضي بدأت بمقتل عنصر تابع لـ"حزب الله" في 5 أيلول، اعقبه بعد اسبوعين سقوط طائرة استطلاع إسرائيلية فوق مرجعيون، ثم اطلاق نار إسرائيلية على خلية مسلحة كانت حاول التسلل عبر الحدود في منطقة مزارع شبعا قبل يومين.
هذا التصعيد الاستثنائي على الحدود مع لبنان منذ حرب تموز 2006 مرتبط بمجموعة تطورات واسعة النطاق تشهدها المنطقة. فبعد مرور اشهر على نشوب الثورة السورية سنة 2011 ازدادت وتيرة تهريب السلاح من سوريا الى "حزب الله" رغبة من الأسد في التعويض على "حزب الله" جراء مشاركته في القتال الى جانبه. حينها، اعلنت إسرائيل انها لن تقبل بتهريب اي سلاح "يكسر التوازن" اي منظومات سلاح متطورة من سوريا الى الحزب، ونفذت سلسلة هجمات جوية على شحنات سلاح قيل انها كانت في طريقها الى الحزب داخل الاراضي السورية واللبنانية من دون ان تتحمل المسؤولية عنها علناً. وبصورة عامة تجنب السوريون و"حزب الله" الرد على هذه الهجمات.
لكن موقف الحزب تغير في اعقاب اغتيال المسؤول في "حزب الله" حسن اللقيس في شهر كانون الاول الماضي والغارة الجوية على قاعدة للحزب في البقاع اللبناني بالقرب من الحدود السورية. منذ ذلك الحين بدا زعماء الحزب في توجيه التهديدات لإسرائيل وانهم لن يسكتوا عن التعديات الإسرائيلية. من بعدها جرى تفجير عبوة ناسفة في مزارع شبعا في شهر آذار الماضي وعدد آخر من العبوات في هضبة الجولان.
تدل الحادثة التي وقعت بالأمس على ضرورة التعامل بجدية مع تهديدات "حزب الله" الذي يهمه المحافظة على توازن الردع في مواجهة إسرائيل وتعزيزه من جديد، لذا هو لا ينوي ان يلجم ردة فعله على ما يعتبره استفزازاً إسرائيلياً. ورغم الكلام الإسرائيلي عن انجازات الجيش في غزة خلال العملية العسكرية الاخيرة، فان هذا لا يخيف "حزب الله" الذي على ما يبدو تقصّد بالامس تفجير العبوة الناسفة بالدورية الإسرائيلية التي كان افرادها بصدد تفكيك عبوات اخرى مزروعة في المنطقة.
ان الخط الاحمر الذي وضعته إسرائيل بعد حرب تموز 2006 قد خرق وقت طويل. ومنذ آب الماضي سجل وقوع 11 حادثة تفجير عبوات ناسفة الى جانب اطلاق صواريخ وتبادل اطلاق النار جزء منها مع الجيش اللبناني ومع تنظيمات فلسطينية.
طوال العامين الماضيين كانت التقديرات الإسرائيلية تعتبر ان تورط "حزب الله" في القتال الى جانب نظام الأسد في سوريا ادى الى تآكل قوته العسكرية مما قد يمنعه من التورط في تصعيد عسكري في مواجهة إسرائيل. لكن الوضع يبدو اليوم اكثر تعقيداً، اذ رغم انتشار قوات الحزب في سوريا ووقوع خسائر بين مقاتليه الا انه اكتسب من خلال مشاركته في الحرب الاهلية السورية خبرة لا يستهان بها، وقد اظهر قدرة قتاليه في مواجهة الثوار السوريين تفوق احياناً قدرات جيش النظام السوري وهو يسجل لنفسه عدداً من الانجازات العسكرية. وعلى ما يبدو هو يريد في الوقت عينه يريد تعزيز توازن الردع على الحدود ومنع إسرائيل من التحرك في لبنان بحرية. لذا فمن المنتظر وقوع حوادث مثل تلك التي وقعت بالامس من وقت الى آخر.