هناك مليون ونصف المليون سوري، وربما مليونان، في لبنان. وهؤلاء محشورون اليوم في دائرة الإستغلال السياسي بين النظام و«داعش». والخطر على لبنان يرتفع بسبب لجوء الطرفين إلى «تشغيل» الحلفاء اللبنانيين في لعبة الإستغلال. وهكذا، بدأ ملف اللاجئين يحتقن ثلاثياً: بين السوريين أنفسهم، وبينهم وبين اللبنانيين، وبين اللبنانيين أنفسهم! فإذا انفجر، سيهدِّد لبنان بمخاطر غير متوقعة.
وقَّعت «داعش» و«النصرة» تعهُّداً مكتوباً بعدم أذيَّةِ عسكريٍّ لبناني آخر. وهذا التعهُّد حمله الوسيط القطري إلى المفاوض اللبناني الذي لا هَمَّ له سوى سلامة العسكريين، أيْ «أكل العنب وليس قتل الناطور».وبدأت «داعش» تكتسب اعترافاً واقعياً بوجودها في العراق وسوريا. فالحملة الدولية الرامية إلى ضربها إستعراضية، ولن تقضي عليها. وليس في مقدور الرئيس بشّار الأسد أو حكومة بغداد ضرب «داعش» أيضاً. وفي المقابل، إنّ «داعش» عاجزة عن إسقاط الأسد أو دخول بغداد. وفي المرحلة المقبلة، سيتكرّس نفوذ «داعش» واقعياً على بقعة عراقية- سورية، وستُمنَع من دكِّ الأسوار الكردية.
وسيكون سنَّة العراق وسوريا أمام خيارين مريرين: هل يوالون النظام في كل من دمشق وبغداد، فيرضخون للمشيئة الإيرانية حتى إشعار آخر، أم يواصلون الإنتفاض، ولو تحت راية «داعش»، القوة السنّية الوحيدة التي لها وزن في المعادلة، بعد وفاة المعارضة السورية المعتدلة؟
في الداخل السوري، السنَّة واقعون تحت الضغط. فكثيرون يختارون الوقوف مع النظام، إما ليأسهم من محاولات إسقاطه، وإما خوفاً من بطشه. ومنهم مَن يختار «داعش» وأخواتها، إما لأنه ما زال يأمل في التخلص من النظام، وإما خوفاً من بطش «داعش» أيضاً. وأما اللاجئون فهم بين حجرَي الرحى: النظام و»داعش».
في تركيا والأردن، اللاجئون موضوعون تحت رقابة مشدَّدة. ولم تَظهر «داعش» في مخيّمات الأردن لتواجه الجيش كما في عرسال. وأما في لبنان، فالسوريون معتادون إجمالاً على إنعدام الضوابط إلى حدِّ الفلتان، ككثير من اللبنانيين، مستفيدين من غياب القانون، من الأمن إلى سوق العمل.
لكنّ مرجعية اللاجئين تتغيَّر، جزئياً أو كلياً. ففي الربيع الفائت، تهافت هؤلاء إلى السفارة السورية ليجدّدوا البيعة للاسد. وفسَّر أركان النظام هذه الظاهرة بأنها تأكيد على ثقة الشعب السوري في رئيسه.
لكنّ الخصوم رأوا أنّ نسبة المقترعين بقيت قليلة، قياساً إلى حجم اللاجئين. وبين الوجهتين، هناك مَن قال: كثيرون تهافتوا إلى السفارة لأنهم يخشون عواقب المقاطعة على أنفسهم وعيالهم في سوريا، اليوم أو غداً، عندما يُضطرون إلى العودة.
اليومَ، يقع اللاجئون السوريون في مأزق مع لبنان، خصوصاً على المستوى الأمني. ويدرك مسؤولون لبنانيون أنّ الذين إعتدوا على القوى العسكرية والأمنية في عرسال يتغلغلون في بيئات اللاجئين.
ويريد لبنان وضع اللاجئين تحت المجهر الأمني المركَّز وتنظيم إقامتهم وتنقلهم وعملهم على أرضه، سعياً إلى ضبطهم. لكنّ «داعش» تضع بين شروطها لإطلاق العسكريين بنداً يطالب لبنان بوقف مداهماته لتجمّعات اللاجئين و«إزعاجه» لهم. وهذا الشرط يولّد تعاطفاً في أوساط اللاجئين مع «داعش» ونفوراً بينهم وبين اللبنانيين، أو جزءاً منهم على الأقل.
وهنا تصبح المعادلة كالآتي: لبنان الرسمي يواجه «داعش»، ويتعاطف معه «حزب الله» ومحور الأسد- طهران. وأما «داعش» فتحظى بمزيد من التعاطف السنّي، في لبنان وسوريا، أي من جانب خصوم النظام.
وتالياً، باتت «داعش» تدير صراعها في لبنان، مستفيدة من اللاجئين السوريين والفلسطينيين وبعض اللبنانيين المعبَّئين أساساً ضدّ «حزب الله» والأسد. ويبدو أنّ «داعش» تصبح شيئاً فشيئاً وليَّة أمر اللاجئين، بدلاً من النظام.
وهناك خوفٌ من أن يؤدّي الإنفجار الأمني مع «داعش» إلى إنفجارٍ مليونِيّ سوري- فلسطيني- لبناني تكون عواقبه مدمِّرة في لبنان، خصوصاً إذا كانت هناك قوى إقليمية تنتظر هذه اللحظة. ومن هنا، ضرورة الحكمة في معالجة ملف المخطوفين العسكريين. ولكن، أين الحكمة وأين الحكماء؟