ترتسم في الأمم المتحدة خريطة طريق لكلّ من سوريا ولبنان لا تزال معالمها طيّ الكتمان. لكنّ الدلالات لافتة: التركيز على «داعش» وسائر «الداعشيّين»، وتحييد إسرائيل. التعويل على التحالف الدولي مع بعض التحفّظات. الإقتناع بالخروج من الأمن الى السياسة، ومن المواجهات الدامية الى تسويات تقتضيها مصالح الأقوياء. وإبلاغ بان كي مون بأن تكون الأمم المتحدة المظلّة وصاحبة الدور والحضور بعيداً من الإستقطابات المعطّلة.
مَن يستمع الى خطاب كلّ من وليد المعلم وبنيامين نتنياهو أمام الجمعيّة العامة، يكاد يستنتج أنّهما واحد، مع بعض التصرّف. كان لافتاً أنّ نتنياهو قد ركّز على طهران وبرنامجها النووي، والحقيقة أنّ ما يزعجه هو «حماس»، وما يزعجه أكثر تعهّد إيران بتزويد «الحماسييّن» و«الجهادييّن» بالصواريخ وحفر الأنفاق، علماً بأنّ «إزدواجيّة المعايير» واضحة، والدليل أنّ أيّ طرف عربي او إقليمي لم يراعِ مصالح إسرائيل في المنطقة كما فعلت إيران. لقد غضّت طهران الطرف عن التعاون الإسرائيلي - الكردي في العراق، وعلى مرأى نوري المالكي ومسمعه، وبعلمه ومعرفته.وغضّت الطرف عن المواقع الإسرائيليّة الإستراتيجيّة المتقدّمة في هضبة الجولان، وكان يمكنها أن تفعل الكثير مع النظام السوري، او بمعزل عنه، لتنغّص على إسرائيل إستقرارها في تلك المنطقة، لكنها لم تفعل.
وباركت لإسرائيل أمنها واستقرارها، وهناء عيشها في الجنوب تحت شعار إلتزام مندرجات القرار 1701، وكان يمكنها أن تجعل من «الخط الأزرق» خطّاً «أحمر»، او متقلّباً. وتكفي الإشارة الى ملايين الدولارات التي تُستثمر في مشاريع سياحية على الخط الأزرق، وما بعده، لإستخلاص العبر.
هناك صفحة جديدة من التقارب - إن لم يكن التعاون - تتمثّل في الموقف من التحالف الدولي. نتنياهو غير مرتاح لعودته بقيادة الولايات المتحدة الى المنطقة تحت مظلّة من القرارات الدولية (2170 و2178)، وبهذه القوّة، وهذا الحجم، لأنّ هناك ملفات كثيرة سيكون له فيها حق «الفيتو»، إن لم تعالج وفق ما تملي مصالحه، خصوصاً ما يتعلّق بالثروة النفطيّة - الغازيّة في المتوسط.
إيران بدورها لا مصلحة لها بهذا التحالف، ولا بالعودة القويّة للولايات المتحدة الى المنطقة، وقد عبّرت عن ذلك في أكثر من موقف، وإشارة وأداء. أضف الى ذلك هناك حماية إسرائيليّة - إيرانيّة مشترَكة للنظام السوري مكّنته، وتمكّنه من جَبه كلّ الأعاصير منذ انطلقت الإنتفاضة السوريّة المسلّحة قبل نيّف وثلاث سنوات حتى اليوم.
لقد أعطى هذا النظام إسرائيل ما تريده في الجولان وغيرها. وعلى مدى أربعين عاماً، او أكثر، لم تطلق طلقة سوريّة واحدة باتجاه تل أبيب. وأعطى إيران ما تريد وأزود، لقد مكّنها من أن يصل بساط نفوذها الى المياه الدافئة في جنوب لبنان، وهذا ليس بالقليل.
تلتقي المصلحة الإسرائيليّة - الإيرانيّة على حماية النظام السوري، من فلول «داعش» وكلّ «الداعشيّين» أولاً، ومن غارات التحالف ثانياً، حرصاً على مصالحهما. وهذه المعادلة لا يرقى اليها الشك، خصوصاً في هذه المرحلة المصيريّة. وكان المعلّم لمّاحاً عندما أكدّ في خطابه أنّ غارات التحالف لا تزال «مهذّبة، ومقبولة من وجهة النظام، ولا تؤذي حتى الساعة مصالحه، او إستمراريته»... لكن ماذا بعد؟
إيران وإسرائيل مقتنعتان بأنّ الإقليم الكردي في العراق وتوابعه لاحقاً، سيستمرّ منطقة نفوذ إسرائيليّة - أميركيّة. والإقليم السنّي وما يتبقى منه، منطقة نفوذ سعوديّة - خليجيّة. والإقليم الشيعي القوي والواسع منطقة نفوذ إيرانيّة. والمعادلة هذه ستسري بنظرهما، او يُفترض أن تسري على سوريا من خلال التعاون مع النظام. لم يعد الأخير وحده المتحكّم بزمام الأمور، ولكنه لا يزال المتقدّم على الآخرين.
دخلت سوريا وتحت مظلّة التحالف، مرحلة الفرز السياسي والطائفي والمناطقي، وكذلك لبنان. كيف؟ ربما من المبكر بعض الشيء الحديث عن السيناريوهات، لكنّ بعض ديبلوماسيي قوات التحالف في بيروت يقول في مجالسه: «إنسوا عرسال، لقد أصبحت نسخة قديمة، وتطلّعوا ناحية مثلث البقاع الغربي - القنيطرة - مزارع شبعا، إنها المشهد التالي، ومثلث تقاطع المصالح الإسرائيليّة - الإيرانيّة بمباركة التحالف الدولي؟!».