تقترب تركيا شيئاً فشيئاً من أخذ موقعها "الطبيعي" في الإئتلاف الدولي الذي أعلن الحرب على «داعش» قبل نحو عشرة أيام، مع بدء أولى غارات الطيران الحربي على مواقع التنظيم في سوريا.
كان لا بدّ من مرحلة تمهيدية قبل أن تُقرّر أنقرة أنّ الآوان قد حان للإلتحاق بهذا الركب. لم تكن قضية رهائنها الـ46 في قبضة "داعش" هي العائق الرئيس. فهي احتاجت الى ضمانات أميركية جدية، لكي لا تُستفرد في المواجهة. وتجربتها مع الأزمة السورية منذ اندلاعها دليلٌ لا يزال ماثلاً أمامها، لكي لا تُستفرد او تُدفَّع أثماناً لا طاقة لها على تحمّلها، اذا لم تنل موافقة واشنطن، بل توكيل ولو غير حصري لها، مثلما يحصل اليوم.
هناك مَن يصف تدرّج الموقف التركي بأنه لعبة "عضّ أصابع" بين أنقرة وواشنطن، ومع عواصم إقليمية أخرى في مقدّمها الرياض والقاهرة.
تقول أوساط أميركية "إنّ ما يجري في محيط بلدة "عين العرب" او "كوباني" باللغة الكردية، يندرج في إطار هذه اللعبة.
وبدء نشر الدبابات التركية في الوقت الذي تتحدّث فيه الأنباء عن ضغوط كثيفة لمسلّحي "داعش" على المدينة، يدفع للإعتقاد بأنّ سقوط المدينة أو دحر التنظيم، رهن الوعود التي ستُقطع لأنقرة".
وتضيف تلك الأوساط "أنّ إقامة المنطقة العازلة على الحدود التركية ـ السورية بات أمراً شبه مؤكد، خصوصاً أنّ أنقرة تطمح لحجز حصتها في مستقبل سوريا، في مواجهة الأطراف الإقليمية الأخرى التي ترى أنّ مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد المتفق عليه بينها، لا يعادله تمكين "الإخوان المسلمين" من تقوية نفوذهم لمصلحة تركيا التي تسعى الى تكريس نفسها الناطقة والحامية الرئيسة لهم في المنطقة".
في المقابل، تعتبر أوساط أخرى أنّ صوغ تحالفات المنطقة مجدّداً قد يأخذ مدىً طويلاً، خصوصاً أنّ كثيراً من أوراق اللعبة لم يتّضح على الأرض بعد، مثلما أنّ الشروع في تطبيق الخطط والمشاريع سيدخل عليها تعديلات عدّة.
إذا كان المطروح في العراق هو إعادة بناء القوات العراقية على أسس مناطقية مع الحفاظ على وحدته الفدرالية، فالأمر ليس مستبعَداً في سوريا أيضاً. فذهاب الأسد لا يعني إنهاء دور العَلَويين وبقية الأقليات في مستقبل هذا البلد، ما يعني انّ "فدرلة" ما قد يُعمل عليها في سوريا مستقبلاً، خصوصاً أنّ لاعبين إقليميين آخرين لهم أدوارهم ايضاً، وفي مقدمهم إيران".
وتؤكد تلك الأوساط "أنّ الأشهر القليلة المقبلة ستشهد بلورة عدد من المعطيات والخيارات، إذ إنّ واشنطن التي تستعدّ لتطوير معركتها ضدّ "داعش" وأخواتها، تقترب النقاشات داخل نخَبِها السياسية وإداراتها المعنية من التوافق على عدم استبعاد خيار التدخّل البري، ولو لم تصل الى حدّ إنزال قوات ضخمة مثلما جرى في العراق سابقاً. غير انّ اعتماد هذا الخيار سيكون له انعكاسات أكيدة على أحجام الأطراف الإقليمية التي تحاول "مقايضة" واشنطن راهناً".
وتعتقد الأوساط الأميركية أنّ الأمر سيكون له أثر عميق ايضاً حتى على بقية الملفات المرتبطة او المحيطة بالوضع السوري، وتنصح اللبنانيين بقراءة الموقف الدولي والإقليمي بنحو مختلف. وتكشف أنه تمّ إبلاغ المسؤولين اللبنانيين بضرورة محاولة حلحلة عدد من ملفاتهم الشائكة بطريقة مختلفة، وعدم انتظار مساعدة تركيا وقطر في ملف العسكريين المخطوفين مثلاً.
فهاتان الدولتان ستبتعدان أكثر فأكثر عن الظهور بمظهر الجهة التي تمون على الجماعات الخاطفة، ما يحتّم القبول بمبدأ التفاوض.
وتحضّ الأوساط نفسها اللبنانيين على عدم الإنجرار وراء تحليلات وتوقعات قد لا يكون لها مكان في المستقبل القريب، سواء تعلّق الأمر بالوضع الأمني او بدور الجيش او حتى بإنجاز عدد من الإستحقاقات الدستورية.
ففي رأيها، أنّ صعوبة استخراج لوحة إقليمية جديدة خلال هذه المرحلة "الإنتقالية"، يجعل الإتفاق على انتخاب رئيس جمهورية صعباً، طالما انّ الأمر مرتبط بتسهيلات إقليمية غير متاحة حتى الساعة. وبما أنه من الخطأ إيقاع لبنان في فراغ شامل، يصبح من الطبيعي القبول بالتمديد للمجلس النيابي، طالما انّ انتخاب الرئيس لا يؤمّن استمرار بقية المؤسسات في هذه المرحلة الإنتقالية.
فانتخاب مجلس جديد يقيل الحكومة القائمة، وفي ظلّ غياب رئيس جمهورية سيؤدّي الأمر الى شلل الدولة اللبنانية. وعليه، فمن الحكمة إعادة فتح ابواب المجلس النيابي الحالي طالما انّ الإنتخابات الجديدة لن تثمر توازناتٍ مختلفة".
(جاد يوسف - الجمهورية)