إذا كانت هناك فعلاً صفقة بين «8 و14 آذار»، تقضي بـ»تشريع الضرورة» مقابل التمديد للمجلس النيابي، فهذه الصفقة لا تعدو كونها حلفاً رباعياً جديداً، وستندم عليه «14 آذار» على الأرجح، كما تفعل غالباً عندما تستيقظ... ولكن بعد فوات الأوان!
في العمق، أثبت الرئيس نبيه برّي مرة جديدة أنه «الأستاذ» الوحيد في الجمهورية. فهو أتى بخصومه إلى المجلس، حيث عليهم أن يرضخوا لقواعد اللعبة، ولكن تحت غشاء رقيق من ماء الوجه... سمِّي «تشريع الضرورة». و«للضرورة أَحكام»، والأحكام خاضعة للتغيُّر والتبدُّل.أساساً، كان فريق «14 آذار» يصرُّ على مقاطعة التشريع في المطلق، قبل انتخابِ رئيسٍ للجمهورية. وليس واضحاً لماذا تراجع اليوم عن موقفه. لكن، المؤكد هو أنّ اقتراب المجلس من نهاية ولايته، والحاجة إلى التمديد له، هما اللذان فرضا تراجعه.
وفي عبارة أكثر وضوحاً، إنّ التقاطع السنّي- الشيعي موضعياً، في غياب التسويات المذهبية الكبرى، هو الذي فرَض التسوية الحالية لتمرير المرحلة. لكنّ الثمن سيدفعه موقع رئاسة الجمهورية الذي سيُدفَن أكثر فأكثر طيّ النسيان والإهمال.
ومن هنا، تبدو مستغربة حماسة قوى مسيحية لتطيير النصاب في كلّ جلسة إنتخابية... كما تبدو مستغربة حماسة قوى مسيحيّة أخرى للتبشير بالتشريع (الضروري)، ولو في غياب الرئيس! وقد تكون ورقة المقاطعة المجلسية، على علّاتها وإنعكاساتها، هي الوحيدة الباقية للضغط على الجميع وفرض إنتخاب الرئيس، لكنّها ضاعت.
وبدت مرافعة النائب جورج عدوان دعماً للتمديد، من تحت قبة البرلمان، بعد معارضة طويلة له، شبيهة بمرافعته، من المكان إياه، ضدّ قانون «اللقاء الأرثوذكسي»، بعد دفاع طويل عنه. وفي الحالَين، مبرِّر التبدل في المواقف واحد: المصلحة الوطنية! ويبدو عنوان «المصلحة الوطنية» وكأنه أصبح ورقة يلعبها الأقوياء لفرض خياراتهم في اللحظة الأخيرة.
وإذا كانت «14 آذار» قد تنازلت عن رفضها المطلق للتشريع في غياب رئيس الجمهورية لتقبل بـ«تشريع الضرورة»، فمَن يضمن أنها لن تتنازل لاحقاً إلى ما دون «تشريع الضرورة»... مراعاةً لـ«المصلحة الوطنية»؟ ومَن يضع سقفاً لهذه «المصلحة»، فلا يكون مطاطاً وخاضعاً للمصالح... غير الوطنية؟
وثمّة مَن يعتقد أنّ التمديد للمجلس هو مصلحة لـ«8 آذار» أولاً. فحتى اليوم، بقيت هذه المؤسسة بمثابة الغطاء الشرعي لـ«8 آذار» لا لـ«14 آذار». وقد يكون لـ»14 آذار» في المجلس الحالي حقّ ممارسة «الفيتو»، أي المقاطعة، لكنّ هذه المؤسسة محسوبة- في التصنيف- على
«8 آذار»، وتحديداً الفريق الشيعي.
والدليل إلى ذلك، أنّ هناك أصواتاً سنّية في «14 آذار» حرصت أخيراً على طرح القاعدة الآتية: إذا كانت رئاسة الحكومة محسوبة على «14 آذار»، ورئاسة المجلس محسوبة على «8 آذار»، فلا يمكننا منح رئاسة الجمهورية للنائب ميشال عون، لأنّ ذلك سيجعل فريق «8 آذار» ممسِكاً
بمؤسستين من ثلاث.
أما القول إنّ «14 آذار»- وتحديداً «المستقبل»- إستطاعت تحصيل مكسب لها في مقابل «تشريع الضرورة»، هو التمديد للمجلس النيابي، فإنه قول يحتمل التدقيق.
فصحيح أنّ «14 آذار» تخشى أن يخرق المجلس النيابي المقبل متطرفون سنّة في مقابل شيعة «حزب الله»، لكنّ «8 آذار» حريصة على هذا المجلس أكثر من خصومها، ربما أيضاً لمنع المتطرفين السنّة من دخول المجلس. ولكنّ الأهم هو إبقاء القديم على قِدمه لتكريس إمساك «8 آذار» بالمجلس.
ولو كانت الإنتخابات النيابية اليوم مِن مصلحة «8 آذار»، لما فوَّتتها، ولو لم يكن الظرف الأمني مثالياً. ففي ظروف لم تكن أفضل بكثير، جرت إنتخابات نيابية وبلدية.
الأرجح هو أنّ الصفقة الحالية تخدم «8 آذار» أكثر بكثير من خصومها. وفي أيّ حال، ليست الصفقة من مصلحة القوى المسيحية الموزّعة هنا وهناك. وفي بلد يخرب فيه كلّ شيء، لا يتورَّع المسيحيون عن حلِّ المآزق المذهبية على حسابهم: الطفرانون يتبرَّعون للبطرانين!