أعتاد اللبنانيّون على قطع الطرقات في المحن والشدائد ولأسباب تافهة ولا توجد جهة لبنانيّة الاّ ومارست عدواناً على الطرقات حتى الأفراد امتهنوا مهنة قطع الطرقات .
ربما حرب 1975علمت الناس هذا الدرس الذي استمر وحتى اليوم وهو يتطور تطور القدرة على هدم الحقّ العام ولم يأت طرف أو حزب لبناني بعقلية لا يتوفر فيها منطق قطع الطريق .لقد أرست الأحزاب الوطنية على اختلاف اختلافاتها قواعد ثابتة لقطع الطرقات وكذلك فعلت النقابات العمالية والتربوية والجمعيّات الأهلية والأندية الرياضية والطوائف والعائلات وحتى الدولة نفسها ومن خلال مؤسساتها وأجهزتها قامت بقطع الطرقات .
حتى الدول والقوى الأجنبية مارست لعبة قطع الطرقات وقام المحتل الاسرائيلي بهذا الدور وكلّ من دخل لبنان فاتحاً أو محتلاً جعل الشارع مقطوعاً لصالح تدابيره الأمنية .
لهذا وجدنا الآذاريون يسارعون الى قطع الطرقات كلما دقّ النفيرفطريق بعبدا مقطوع وكذلك طريق المجلس النيابي والرابية وقريطم وعين التينة وأصحاب الدين والدنيا والمتدينون والعلمانيّون والملحدون والوطنيّون ووجدنا أهل اليسار واليمين والطائفيّون والحدّادون والورّاقون وبائعو الحنطة والكعك والأسماك المثلجة ومروجو الدعارة والمخدّرات والسائقون العموميّون ومُزارعو التبغ والبطاطا وعمال الفاتورة والنفايات وأصحاب البنوك والمدارس الخاصّة والمتسولون والسماسرة والسياسيّون سواء أكانوا من أهل السلطة أم من جماعة المعارضة يقطعون أشجار الطرقات .
حتى المناسبات الوطنيّة المُقرة من قبل الحكومة يحتفل بها بقطع الطرقات كما هو حال المناسبات الطائفية والمذهبية والأعياد العامة والخاصّة . للأسف أعمال قطع الطرقات بات ديدن اللبنانيّين ولا نستطيع التحايل هنا لتبرئة أحد في لبنان سواء أكان ماكثاً فيه ومن أهله أو عابراً على نيّة الاحتلال .
لا نلوم أهالي المخطوفين العسكريين اذا ما قطعوا الطريق احتجاجاً على تنصل الحكومة من مسؤوليّاتها تجاه أبنائهم الأسرى ولم نهتم لقيام أهل الرتب والرواتب بقطع الطرقات للضغط على النّاس لا على الحكومة فثمة مشتركات كبيرة بين اللبنانيين وعلى اختلاف أمزجتهم وسُحناتهم وأحزابهم وجمعيّاتهم .. ولا نلوم أحداً من الذين قاموا وسيقمون مجدداً بقطع الطرقات ولأسباب دسمة أو لأخرى تافهة مادامت النُخب السلطوية تدفع الجميع الى قطع الطرقات تعبيراً منهم عن استياء في السياسة أو عن تأزّم في الأمن .. انه فعلاً مظهر من مظاهر الفساد السياسي لطبقة لا ترضى من جمهورها أقلّ من تعطيل الشارع باعتباره اللغة الأسمى للتعبير عن الأزمة المستفحلة في الجنس والسياسة والأمن والتربية والرغيف والنفايات رحم الله بلداً كان يمكن أن يكون بلداً لو توفر فيه لبنانيّون مؤمنون بهويتهم الوطنية .