تكذب فرنسا على نفسها عندما تعتقد ان الحرب ضد الارهاب هي الحل. فهذه الحرب لا يمكن الانتصار فيها مثلما ثبت في أفغانستان والعراق، وهي تخضع لقانون حرب العصابات التي هي حرب متواصلة ضد عدو يظهر كل مرة من جديد وتزداد شرعيته وقدراته وصدقيته.
ان هذه الحرب لا امل في الانتصار فيها حتى اذا سحقنا الدولة الإسلامية، فإن الثمن سيكون بروز خطر جديد شيعي او سني إسلامي او قومي. وعشر سنوات من عمليات التدخل المضطرب في الشرق الأوسط هي التي ادت الى نشوء "الدولة الإسلامية" وقوتها. انها حرب لا فائدة منها. تأمل الحكومة الفرنسية ان مشاركتها في هذه الحرب ستلبي تطلعات الفرنسيين الراغبين بمواجهة البربرية. لكن فرنسا قد تخسر وتعرض اراضيها ومواطنيها في شتى انحاء العالم للقتل والخطف.
الدولة الإسلامية خطر من نوع جديد
مما لا شك فيه أنه يجب ان نتحرك. لكن منطق هذه الحرب يضعنا امام دائرة مغلقة اما كل شيء او لا شيء. ان نجاح العمل الدولي يستند الى هامش المناورة وتحميل الأفرقاء المسؤولية واستخدام عدد من الوسائل بينها الوسيلة العسكرية. لكن "الدولة الإسلامية" هي خطر من نوع جديد مقلق وهجين، فهي مزيج من الحزب التوتاليتاري المتشدد ومن التنظيم الاجرامي، ومن متعهدي الحرب الذين يطبعون السوق العالمي بطابعهم. وهو يستمد قوته في المناطق التي يسيطر عليها بالتحالف مع فلول نظام صدام حسين وزعماء العشائر في الاحياء السنية التي ترفض السلطة الشيعية الطائفية.
لهذا فالمطلوب هو استراتيجية تهدف إلى خنق تنظيم الدولة الإسلامية من خلال قطع عائدات حقول النفط وضرب شبكات التهريب، وكذلك من خلال حرمانه من دعم السنة المعتدلين عبر اجراء حوار شامل معهم وتقديم الضمانات السياسية اليهم في العراق الجديد، وتجفيف المعين الذي تاخذ منه المجندين في صفوفها. وبالنسبة للدولة الإسلامية الركود معناه الانطفاء. لذا فان العمليات المحدودة ضرورية من اجل كبحها، لكن هذا مطلوب بالدرجة الاولى من دول المنطقة ومن القوات المحلية العراقية والكردية والأردنية و"الجيش السوري الحر".
مطلوب استراتيجية تحمي مواطنينا
ان المطلوب استراتيجية لحماية مواطنينا واراضينا من دون ان يكون ذلك على حساب تمسكنا بالحريات الفردية ومبادىء الديموقراطية. نحن في حاجة الى استراتيجية تساعدنا على تحسين قدراتنا لمواجهة المد الأصولي في السجون وعلى شبكة الانترنت. ويجب استخلاص الدروس من الاخطاء التي ارتكبناها من اجل تحسين عمل الاجهزة القضائية والاستخباراتية ومن اجل تعاون أوروبي افضل.
منذ عشر سنوات وانا ادعو الى حلول للازمات تتفادى الحرب. في سنة 2011 دافعت في ليبيا عن منطقة حظر جوي ودعم الثوار من دون تجاوز الخط الاحمر والاطاحة بالنظام. و اقترحت بالنسبة لسوريا فرض عقوبات دولية وانشاء ممرات انسانية من اجل انقاذ المدنيين. وفي كل مرة كانوا يواجهونني بالحجة القائلة اما الحرب اولا شيء. حتى لو كانت الحرب لا تساهم في الحل. فما هو سبب هذا المنطق الاعمى؟ ولماذا لم تعد فرنسا تثق بنفسها؟
خوف الغرب من العالم والاخرين
ان الحرب على الارهاب تفضح نظرة الغرب الى العالم. انها محاولة انتحارية من حضارة تعاني الشعور بالضعف والأفول ومن الخوف من العالم والآخر، ومن الاقتناع بالتفوق المعنوي.
يمر الشرق الأوسط بأزمة حداثوية تعصف بهوياته الطائفية والقومية. فالتحالفات التقليدية التي اضعفها الاستعمار اطاحت بها العولمة والنمو الاقتصادي، وصعود الطبقات الوسطى، ووسائل الاتصال ايقظ شياطين قديمة ومخاوف جديدة. فالحرب الشاملة ضد الارهاب التي تخيلها جورج بوش ايقظت فكرة الخليفة العالمي.
يتمتع الارهاب الإسلامي في تصوير ضحاياه، في حين يخفي الغربيون "خسائرهم الجانبية". ونحن الآن نشهد الجهاديين الذين حولوا التضحية بالجسد الى سلاح للقتل في العمليات الانتحارية وبين هاجس الغرب خوض حرب مع صفر خسائر، حيث تسقط الطائرات من دون طيار العقاب من السماء. هناك لغتان مختلفتان للحرب، لكنهما تعبران عن خوف وجودي واحد وتحملان تهديداً بالتدمير المتبادل.
مع الحرب الحالية نكون قد خطونا خطوة جديدة نحو حرب الحضارات. لكن رغم ذلك، ما يزال هناك فرصة لسلام حقيقي وشجاع شرط ان نكسر منطق الحرب. ففي مواجهة الارهاب يجب البحث عن سلام محلي،وعلينا تعزيز دور الامم المتحدة، وعلى الاتحاد الأوروبي ان يضع في متناول الأمم المتحدة خطة لاعادة بناء الدول التي تعيش صراعات اهلية، وذلك من خلال تعزيز ادارتها ومؤسساتها وخدماتها العامة.
يتعين علينا تشجيع استراتيجية الحوار، والمهمة الاساسية هي خلق حوار شيعي- سني من خلال الجمع بين السعودية وإيران على طاولة المفاوضات.