أسئلة كثيرة تطرح ولا جواب عنها حتى الآن: ماذا بعد ضرب تنظيم "داعش" ومتى ينتهي، أبعد ثلاث سنوات، كما قال الرئيس الأميركي باراك أوباما؟ وهل هذا التنظيم هو من القوة والانتشار بحيث يحتاج التخلص منه إلى كل هذا الوقت وخصوصاً مع تحالف دولي وعربي واسع؟ وهل صُنع هذا التنظيم ليكون ذريعة تعيد أميركا ومن معها إلى منطقة الشرق الأوسط على رأس هذه المجموعة لترسم خريطة جديدة لها تغيّر حدود الدول أم تكتفي بإحداث تغيير داخل حدود كل دولة؟
إن ما يهم لبنان من كل ما يجري حوله هو معرفة مصير حدوده مع اسرائيل ومصير حدوده مع سوريا لأنه يقع جغرافياً بين دولة لا تحترم استقلال لبنان وسيادته وهي سوريا ودولة إسرائيل التي لا يعترف لبنان بها ما دام لم يتم التوصل بعد إلى تحقيق سلام شامل معها لتصبح دولة من المنطقة وليس في المنطقة، وأن يقوم في سوريا حكم يحترم استقلال لبنان وسيادته ولا يتدخل في شؤونه الداخلية لتبقى العلاقات بينهما دائمة وثابتة ولا يعكرها أي خلاف حرصاً على مصالحهما المشتركة. فمنذ قيام دولة إسرائيل وحدود لبنان معها غير هادئة لتحوّل اللاجئين الفلسطينيين إليه فصائل مسلحة تنطلق بعملياتها الفدائية من جنوبه ضد اسرائيل التي تردّ عليها باجتياحات متكررة له فتشرد أهله وتدمر منازلهم وتخرب ممتلكاتهم، من دون أن يجني لبنان من كل ذلك سوى الخراب والدمار وحروب داخلية عبثية، رغم حصوله على سلسلة قرارات من مجلس الأمن الدولي رفضت اسرائيل وترفض تنفيذ أي منها، ما أعطى مبررا لنشوء مقاومة مسلحة بقيادة "حزب الله" تتولى ذلك. وقد نجحت في تحرير جزء كبير من الاراضي التي تحتلها اسرائيل وبقي جزء يبرر استمرار المقاومة والاحتفاظ بسلاح خارج الدولة كي لا تقوم دولة تتحمل وحدها مسؤولية الدفاع عن اراضيها وتحرير المحتل منها. فلو أن الولايات المتحدة الاميركية تريد حقاً الأمن والاستقرار الثابتين والدائمين للبنان، لكانت ضغطت على اسرائيل كي تنفذ القرارات الدولية الخاصة بلبنان وتفصل حل قضيته عن حل قضية فلسطين او انتظار تحقيق السلام الشامل في المنطقة، لا بل ان القضية اللبنانية مع اسرائيل صار حلّها مرتبطاً بحل القضية السورية فضلاً عن القضية الفلسطينية، فلا اسرائيل تريد حلاً منفرداً مع لبنان ولا سوريا تريد ذلك كي يبقى المساران متلازمين مع ان القرار 425 يدعو إلى انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية المحتلة من دون قيد أو شرط، في حين ان القرارات المتعلقة بالقضية السورية وبالقضية الفلسطينية تدعو إلى إجراء مفاوضات بحثاً عن حل.
وهكذا يمكن القول إن المسؤولية تقع على مجلس الأمن الدولي لأنه قصّر أو عجز عن حمل اسرائيل على تنفيذ قراراته المتعلقة بلبنان. كما تتحمل الولايات المتحدة الاميركية المسؤولية أيضاً لأنها تملك قدرة التأثير على اسرائيل ولم تفعل.
وإذا كانت هذه هي مشكلة لبنان مع اسرائيل فإن مشكلته هي أيضاً مع سوريا التي لم تدع لبنان يرتاح، ليس بإصرارها على أن يكون حل قضيته مع اسرائيل متلازماً مع حل قضيتها، بل أن تبقى حدودها مع لبنان موضوع نزاع برفضها ترسيم هذه الحدود تنفيذا للقرار 1701 لأنها لا تريد حسم النزاع حول ملكية مزارع شبعا لئلا يؤدي حسمه إلى حل قضية لبنان كلاً مع اسرائيل بمعزل عن حل قضيتها، وباعتبار ان نظرة اسرائيل الى الجولان تختلف عن نظرتها الى جنوب لبنان.
وهكذا ظلت قضية لبنان من دون حل رغم صدور القرار 1701 وكذلك قضية سوريا مع فارق أن حدود لبنان مع اسرائيل أصبحت هادئة بتنفيذ ما يتعلق بهما في القرار 1701، ومضطربة جداً مع سوريا لأنها ظلت سائبة لعدم تنفيذ ما يتعلق بهما في هذا القرار.
الى ذلك، فإن ما يهم لبنان بالنسبة الى قيام التحالف الدولي لضرب تنظيم "داعش" وكل المجموعات الارهابية هو أن تنسحب اسرائيل من بقية الاراضي اللبنانية التي تحتلها لتزول أسباب حمل السلاح خارج الدولة تحت عنوان المقاومة، وان يقوم في سوريا حكم يؤسس لأفضل العلاقات مع الحكم في لبنان فلا يتدخل أي منهما بالشؤون الداخلية للآخر كي تبقى العلاقات بينهما ودية ومستمرة لخير مصالحهما المشتركة.
والسؤال الذي يبقى مطروحاً هو: متى يستطيع التحالف الدولي تحقيق كل ذلك ولا يطول الانتظار، وما هي سلبيات وإيجابيات ضرب "داعش" على لبنان؟