يقبل المشهد اللبناني على أسبوع حافل بالتحركات السياسية في وقت تشتدّ الضغوط المتعاظمة والخطرة لقضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى تنظيميْ “جبهة النصرة” و”داعش” في جرود عرسال، ما يدفع الى توقُّع اسبوع محموم بالمشاورات والاجتماعات الحكومية والتحركات العلنية والسرية.
وقبيل عودة رئيس الحكومة تمام سلام من اسبوع أمضاه في نيويورك حيث عقد مجموعة واسعة من اللقاءات والاجتماعات على هامش إلقاء كلمة لبنان امام الامم المتحدة ثم ترؤسه اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان، بدأت قضية العسكريين المخطوفين تهدد الواقع الداخلي بتداعيات واسعة في ظل الاعتصامات المفتوحة لأهالي العسكريين على طرق رئيسية قطعت أوصال البقاع وغالبية الشمال عن بيروت منذ مطلع الاسبوع الماضي من دون تسجيل ما يوحي بامكان تراجع الأهالي عن هذه الخطوات التصاعدية في القريب العاجل.
وتقول أوساط اطلعت على بعض نتائج لقاءات الرئيس سلام في نيويورك لـ “الراي” ان رئيس الحكومة لم ينتظر عودته الى بيروت لتحريك الوساطات التي يمكن التعويل عليها في قضية العسكريين المخطوفين وان هذا الملف استحوذ على الجزء الأكبر من لقاءاته مع زعماء إقليميين ولا سيما منهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي وعد بتكثيف جهود بلاده لإنقاذ العسكريين اللبنانيين. كما ان الجانب القطري ابلغ الى الجانب اللبناني ان وساطته جارية ولو تعثّرت في أماكن معينة وان التنسيق جارٍ بين المسؤولين الأمنيين المعنيين على خط ثلاثي لبناني – قطري – تركي.
واذ من المتوقّع ان يطلع سلام مجلس الوزراء في جلسة يحدد موعدها بعد عودته على نتائج لقاءاته في نيويورك وما يقتضي اتخاذه من خطوات في سبيل تسريع المفاوضات والوساطات لإطلاق العسكريين الرهائن، قالت الأوساط المتابعة ان عامليْن باتا يضغطان اكثر من السابق لإضفاء جدية بالغة على الموقف الحكومي من تسهيل المفاوضات، هما الضغوط الابتزازية التي يمارسها الخاطفون على الأهالي وعبرهم على الحكومة ولبنان بأسره، وعامل الطقس الذي يبدو انه بات يلعب دوراً مهماً في تحريك ضغوط المسلحين على لبنان وتهديداتهم التي تسارعت اخيراً بوتيرة لافتة.
وتضيف هذه الاوساط ان الاختبار الاساسي الذي سينتظر الحكومة في المرحلة الطالعة يتمثل في انها ستكون مضطرة الى حسم أمرها في موضوع المبادلة والمقايضة بين العسكريين الرهائن وموقوفين من التنظيمات الارهابية ناهيك عن مطالب للتنظيمات الارهابية تتعلق بالنازحين في عرسال. ومع ان اي جهة رسمية لا تزال تنكر تلقي لبنان مطالب واضحة ومحددة من التنظيمين اللذين يحتجزان العسكريين، فان ثمة معطيات تشير الى ان الايام الأخيرة شهدت تضخّم هذه المطالب وان الشروط لم تعد مقتصرة على اطلاق موقوفين إسلاميين بل تطاول ترتيبات لواقع عرسال. وجاء ذلك ليكشف ان المسلحين باتوا في واقع ميداني مقيد عقب الاجراءات التي نفذها الجيش اللبناني وعزل معها منطقة الجرود عن بلدة عرسال كما قطع طرق إمداد المسلحين بالمواد الغذائية وهو امر سيتعاظم أذاه عليهم وخصوصاً مع حلول الصقيع في منطقة الجرود.
وتشير الاوساط نفسها الى ان الحركة اللافتة التي تولاها وزير الصحة وائل ابو فاعور مكلفاً من زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط شكلت مؤشراً الى دفع قوي لدى جنبلاط نحو تسليم الحكومة بمبدأ المقايضة وليس التفاوض فحسب، لان التطورات تتسارع ولن يكون ممكناً إحداث ثغرة في الأفق المسدود والخطِر لهذا الواقع، ما لم تجهر الحكومة بقبولها المقايضة في نهاية المطاف. ولكن هذه الاوساط شكّكت في ان يكون الامر مسهلاً من هذه الناحية لجهة قبول أطراف آخرين في الحكومة به هم الذين سبق لهم ان رفضوا حتى مبدأ التفاوض ثم تراجعوا عنه متأخرين فهل سيكون ممكناً الآن استدراك التأخير مرة اخرى قبل حصول تطورات سلبية جديدة ام منعاً لحصولها؟