من قال أن الأنبياء ماتوا ؟ ولم يبقى منهم نبيّ يُرشد بفعل قبل قول , وما الأنبياء سوى أصوات الله يدعون الى الخير والنور ويعلمون الناس السير على الصراط المستقيم من خلال مسيرة شاقة وصعبة كافحوا بها أرباب الفساد ونافحوا من خلالها آلهة الأرض فأقاموا الحق واستقاموا على هديه وأرسوا سفينة رسالتهم على جوديّ جهادهم طمعاً بتحرير الانسان من أيّ استلاب .
ماذا فعل هاني فحص غير ذلك ؟ منذ ولادة شبابه وهو المناضل الثوري دفعاً ودفاعاً عن حقوق الناس المسلوبة من جبل الحرمان في عامل أدرك السيّد هويته النبوية صعّد موقفه وانحاز لقضايا الفقراء في وقت كان التماهي مع الظلم هو الانطباع السائد عند قطاع رجال الدين وكانت الرحلة المقطوعة ما بين الجنوب والنجف تعيد كتابة الدعوة من الجديد وفق منطق تفرّد السيّد به فلم يعد السيف المكسور الوسيلة المعتمدة لاستنهاض المجتمع ولا الدور الذي يحدد مجرى التاريخ فالأنبياء لا يُعنّفون ولا يؤمنون بالعنف وينبذون لغة القتل ولم تكن دعواتهم قائمة على الاكراه بحدّ السيف . لذا أعاد للنبوة ضالتها في النّاس رفض أدوات الحرب واستبدل الدم بالحبر بعد أن سيطرت على العالم العربي والاسلامي موجات من العنف الثوري بحيث انتهت دعوات الأنبياء فلم تعد الحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن أطر الاصلاح والتغيير في الورش البشرية وبات تلامذة الرُسل هواة قتل وذبح على نيّة التقرّب الى الله .
لم يكن الخليفة عمر بن الخطاب وحده أول الواصلين الى القدس ولا الوليد بن عبد الملك أول من وضع حجر الأساس لمسجد فلسطين ولا صلاح الدين وحده من هزم المحتل وأعاد القدس الى المسلمين ...ثمّة رجل من طينة مختلفة غير مجبولة بقوّة الخلافة ولا بنار حوافر الخيول العربية رجل يدخل فلسطين وحده في الزمن الذي سقط فيه الفلسطينيّون من عرب ومسلمين عندما حمل قضيتها وطاف بها العالم وأدرك في الاستحالة وصولاً الى الأرض والحقوق باعتماد ما يضع الكفاح المسلح الذي فقد شرعيته داخل الثورة وخارجها جانباً وما يؤسس لثورة من نوع أخر أكثر فعالية من ثورات لم تفض الاّ الى ثورات مشابهة أو أكثر شراسة منها تعيد أنتاج أزماتنا من جديد ووفق تعقيدات أكبر . لقد كان السيّد هاني فحصّ ومن خلال رسالته السلمية الفلسطينية السيّد المسيح(ع) الذي أسّس ثورة السلام في العالم ورفض كل أشكال العنف سعياً وراء الاصلاح والتغيير.
مثل السيّد هاني فحص مثل الأنبياء الذين ولدوا وعاشوا وماتوا على دين الفقراء واستمروا كتجارب حيّة في رحلة جهادية متعددة أسهموا من خلالها في تأكيد مشروع السلام كطريق الى الحياة والأخرة .