في زمَن خرقِ الدستور وعدم احترام الصيغة والميثاق، عبر حذف رئيس الجمهورية الماروني من المعادلة الميثاقية، أطلَّ البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مُعلناً رفضَه القاطعَ لأيَّ مؤتمر تأسيسي، والمثالثة، والسلاح غير الشرعي، ما أثارَ حفيظة بعض الأطراف السياسيّين، فيما تساءَلَ البعض الآخر عن خلفية هذا الكلام وتوقيته.

إختارَ البطريرك الماروني أن يُطلق هذه المواقف من دار الفتوى خلال تهنئته المفتي عبد اللطيف دريان، ما زعَج الطرف السياسي الشيعي، الذي اعتبرَ نفسَه مستهدفاً بهذا الكلام، خصوصاً أنّ تركيز الراعي على السلاح غير الشرعي هو أكثر ما ضايقَ «حزب الله».

وتكشف مصادر بكركي لـ«الجمهورية» أنّ «تجديد الراعي رفضَه المثالثة ليس كلاماً عرَضياً أو تسجيل موقف في هذه الظروف الحرجة، بل أتى بعد تجدّد الكلام عن المثالثة في الصالونات السياسية وبعيداً عن الإعلام، كحَلّ للأزمة السياسية بعدما عجزَ الموارنة عن اختيار رئيس»، لافتةً إلى أنّ «المسيحيّين لن يرضوا بالمثالثة ولن يتخلّوا عن المناصفة، وكلّ العروض التي طُرحت أخيراً على بكركي وستُطرَح في المستقبل، ستواجَه بالرفض، فهل يُعقل أن يقبل بطريرك الموارنة بانتزاع مزيد من حقوق المسيحيين؟».

وتعزو المصادر «سببَ هجمة أفرقاء معروفين على الراعي»، إلى «رفضه التنازلَ والإنصياع للضغوط، والجميعُ يعرف مَن يقف وراء هذه الحملات»، مؤكّدةً أنّ البطريرك «يجيب عليها بمزيد من التشدّد في استعادة حقوق المسيحيين وانتخاب رئيس للجمهورية والعودة بقوّة إلى الدولة».

وتوضح: «عندما يطرح الراعي عقداً اجتماعياً جديداً، فهو لا يريد المثالثة أو تغيير النظام، بل يريد مصارحة اللبنانيين بعضهم لبعض»، ناصحةً الأطراف التي تُروّج للمثالثة بـ»العدول عن هذه الفكرة لأنّها غير واقعية، خصوصاً أنّ البعض يُصرّح أمام جمهوره غير ما يُضمر».

تبدو البطريركية المارونية متماسكة في هذه الفترة، تتعامل ببرودة أعصاب مع الأحداث الأليمة التي يمرّ بها الشرق الأوسط، لأنَّ الضياع لا ينفع في هذا الوقت.

وتؤكّد مصادر بكركي أنّ «الراعي مع جمع السلاح غير الشرعي من أيدي جميع اللبنانيين لأنّه مدخَل إلى الحرب والفتنة، ويحاول فرضَ قوّته على الواقع السياسي الداخلي»، مشيرةً إلى أنّ «سلاح «حزب الله» قاوَم وحرَّر الجنوب، لكنّ الزمَن الحالي هو زمن الدولة ودعم الجيش اللبناني، ولا يجوز أن يبقى هذا السلاح وسلاح بقيّة الميليشيات خارجَ إطار الدولة، بل يجب الإتفاق عليه ضمن طاولة الحوار ووضعُه تحت إمرة الجيش».

وتؤكّد المصادر استمرار الحوار مع الحزب عبر لجنة الحوار الخاصة، لكن على الجميع أن يعلم أن لا حزباً أو ميليشيا أو سلاحاً أو زعيماً يُخيف البطريرك والبطريركية، فالراعي يقول الحقيقة، لذلك يُهاجمه بعض الأبواق الحزبية بعد كلّ زيارة ناجحة إلى الخارج».

الجوّ المشحون في البلاد والمواجهة المفتوحة في عرسال وتهجير المسيحيين، أمورٌ دفعَت بعض الأطراف إلى الدعوة لتسلّح المسيحيين وإقامة الأمن الذاتي، لذلك تجزم المصادر بأنّ «الراعي يرفض تسلّحَ المسيحيين واللبنانيين بالمطلق، ويعتبر أنّ كلّ دعوة الى التسلّح والأمن الذاتي هي دعوة مشبوهة هدفُها تدمير المسيحيين وذبحهم، فالدولة وحدَها تحمي المسيحيين، وعليهم أن يلتفّوا حول الجيش فقط لا غير. فالسلاح لا يجرّ إلّا الويلات، وقد دفعنا ثمناً كبيراً».

ولا تستبعد المصادر أن يكون بعض الأطراف المسلّحين الذي يحضّ المسيحيين على التسلّح ويمدّهم بالسلاح يُخطّط لدخولهم في حرب خاسرة لجَرّهم لتوقيع المثالثة لاحقاً، من هنا، نرفض أيّ «سرايا مقاومة» في المناطق المسيحيّة، فإذا سُحِقت «داعش» ماذا نفعل بهذا السلاح؟ هل نوجّهه إلى صدورنا؟».

تعلو لهجةُ بكركي وسيّدها مع اشتداد المخاطر، ومُخطئ مَن يظنّ أنّ الخوف سيتغلغل في صفوفها، وهي التي أدهَشت العالم بالمقاومة على مرّ التاريخ وبناء لبنان الكبير في 1 أيلول 1920، وبالتالي ستُدهِش أصحابَ السلاح غير الشرعي وأصحاب منطق المثالثة والقومية التي باتت من التاريخ.