كان واضحاً من كلمة الرئيس الأميركي باراك أوباما البارحة أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، أنه بعد مرور ست سنوات على انتهاجه سياسة الانكفاء على المسرح الدولي، قررت أميركا أخيراً بفعل التطورات المتلاحقة في كل مكان، ولا سيما في منطقة الشرق الأوسط، تبديل الخيار الذي طبع الاعوام الستة الأولى لولايته، والاعلان من خلال سطور كلمته التي وصفت بأنها كانت "قوية" بلهجتها، عن عودة أميركا الى سياسة تدخلية نشطة في العديد من المسارح الدولية. ولا شك في ان الادارة الأميركية التي لاحقتها انتقادات كثيرة داخل الكونغرس من الجمهوريين، ومن الحلفاء في الخارج، كانت من خلال قرارها إطلاق حملة عسكرية على رأس تحالف دولي يضم نحو خمسين دولة ضد تنظيم "داعش" قبل أيام من انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة، أرادت أن يسبق كلام أوباما عمل كبير على الأرض يقرن الأقوال بالأفعال. وكان لافتاً أن أوباما الذي اشتهر في خطبه بانتقاء كلمات تهادنية، تعمد انتقاء كلمات وعبارات غير تهادنية بالنسبة إلى موضوع "داعش" ودول المنطقة.
كان أوباما البارحة غير أوباما الذي عرفناه على مدى ستة أعوام. ولكن ثمة مَن سارع الى طرح تساؤل جوهري: ماذا بعد بالنسبة إلى القيادة الأميركية الجديدة لتحالف دولي في الشرق الأوسط اذا ما فشلت في إقران مسعاها لدحر "داعش" والتنظيمات المتشددة بعدم تقوية السياسة الإيرانية في المنطقة، وخصوصا في سوريا عبر تقوية النظام بشكل غير مباشر؟
هذا التساؤل مطروح على بساط البحث منذ اليوم، وهو يتوجه ايضا الى الدول العربية المنضوية في التحالف من السعودية الى قطر والاردن وغيرها، على اساس ان لا معلومات حول الصفقة التي أدت الى قيام هذا التحالف الاميركي – العربي، والذي بدأ بتوجيه ضربات في العراق وسوريا. فهل تمكن السعوديون من انتزاع وعود عملية من الادارة الاميركية بشأن التعجيل في قلب موازين القوى على الارض في سوريا واسقاط النظام"؟
صحيح أن الادارة الاميركية قدمت التزامات مشفوعة بقرار صوّت عليه الكونغرس بمجلسيْه لدعم "المعارضة السورية المعتدلة" وتدريبها وتسليحها، لتمكينها من ان تكون جاهزة لملء الفراغ الذي سيخلفه "داعش" مع انكفائه في مرحلة أولى، وفي مرحلة ثانية ملء الفراغ الذي سيولده سقوط النظام متى اتخذ قرار جدّي وحاسم بإسقاطه. لكن التجربة مع الأميركيين تمنع التعويل على الوعود، ولا سيما أن تلكؤ أميركا عن اسقاط النظام قبل منتصف 2013 ادى الى الافساح في المجال امام تراجع اندفاعة الثورة بمكوناتها المعتدلة، في مقابل تنامي قوة التنظيمات المتشددة، وفي مقدمها "داعش" الذي قام بتسهيلات كبيرة من إيران والنظام في سوريا، ما لم تقترن الاستراتيجية الاميركية لتدمير "داعش" بالتعجيل في سقوط نظام بشار وتدمير "الجسر الايراني" الى قلب المشرق العربي. والسؤال بعد خطاب أوباما: هل تغيرت أميركا؟