لا تخفي مصادر في قيادة المؤسسة العسكرية استياءها من الشعار الذي رفعته بالأمس بعض الجهات وعنوانه "لا لذبح عرسال"، وهي تعتبر أن هذا الشعار ينطوي على جملة مغالطات وربما توجهات للتعمية على وقائع وأبراز أضاليل لا تخدم اطلاقاً المعركة المفتوحة التي يخوضها الجيش في مواجهة غزاة الارض وذابحي عناصره. ومن أبرز هذه المغالطات والتوجهات ذات الأبعاد السلبية:
- تصوير المواجهات المستمرة في عرسال منذ ما يقرب من شهرين وكأنها معركة تستهدف المدينة وليست معركة ضد الارهابيين الذين استباحوا السيادة واسروا البلدة ووضعوها تحت وطأة حضورهم الثقيل قبل أن يأسروا عناصر الجيش ويبدأوا رحلة منظمة غايتها ابتزاز البلاد برمتها واسترهان قرارها الوطني.
- إن رفع شعار من هذا النوع الملتبس في هذه المرحلة بالذات لا يمكن إلا أن يقرأ على انه نيل من جهود المؤسسة العسكرية الرامية الى استعادة عناصرها المأسورين واخراج عرسال من العيش فوق صفيح ساخن من التوتر والقلق والخوف والفلتان، والحيلولة دون نزوح المزيد من أهلها وتشرّدهم وتحوّلهم لاجئين هنا أو هناك. أيضاً وأيضاً، ان رفع شعار كهذا انما يصب في خدمة منطق الجماعات المسلحة المعتدية ومطالبها وجعلها في موقع الضحية وليس الجلاد والمعتدي، ويفضي بشكل او بآخر الى النيل من الاجماع الوطني الذي عبّر عنه الجميع من دون استثناء مراراً بالوقوف وراء المؤسسة العسكرية ورفدها بكل أسباب الدعم، وهو ما تجلى في موقف الحكومة وفي مواقف كل المكونات والقوى السياسية والمرجعيات.
- ان تزامن اطلاق هذا الشعار مع الشعار الذي يسعى البعض الى ترويجه والقائل بضرورة التفاوض المباشر مع الجماعات المسلحة المعتدية، انما هو خرق جليّ للتوجه الرسمي الذي أجمع عليه مجلس الوزراء منذ بداية الأحداث في عرسال، والذي قرر فيه رفضه المطلق لمبدأ المقايضة.
- ان هذا الشعار يحاول ان يظهر ان هناك تمايزاً بين السياسيين حيال هذه القضية والايحاء بأن المشكلة هي عند معارضي مبدأ المقايضة وليس عند المجموعات المسلحة التي لا تعطي الفرصة الزمنية اللازمة لعملية التفاوض عبر الوسيط القطري من خلال مضيها قدماً في عمليات القتل المتتالي للجنود اللبنانيين المأسورين، وعبر اتباع اسلوب قتل جنود آخرين في تفجير العبوات الناسفة من بعد كما حصل الاسبوع الماضي، مما يعطي انطباعاً فحواه أن المسلحين لا يريدون حل القضية بقدر ما يريدون الابتزاز والاذلال.
- ان هذا الشعار يهدف ضمناً الى استكمال الحملة التي شرع بها البعض سابقاً وهدفها تقييد قيادة الجيش عن المبادرة والفعل بغية استعادة الاسرى واعادة الوضع في عرسال الى حالته الطبيعية، والشروع في تنفيذ المرحلة التالية من الخطوات اللازمة لبلوغ الاهداف المرسومة.
في كل الاحوال، وفيما تنتظر المصادر إياها من القيادات السياسية القيام بما ينبغي لإبطال مفاعيل مثل هذه الشعارات والحيلولة دون تشتيت الجهود الوطنية في هذه اللحظة الحرجة والحفاظ على الوحدة وراء المؤسسة العسكرية، فإن المصادر عينها تؤكد ان قيادة المؤسسة العسكرية قد انجزت في الايام القليلة الماضية تصورها للمرحلة المقبلة من المهمة المنوطة بها لمواجهة عاصفة الارهاب بدأب وحرفية لفك أسر قرار البلاد من خلال استرهان عرسال، وقد جعلت شعاره العريض: لا مكان للارهاب بيننا، كلنا جيش ضد الارهاب. ويقوم التصور على القواعد الآتية:
1 - ان المهمة الاساسية والعاجلة هي منع استنزاف الجيش من المسلحين واعطاء أدلة عملية وبراهين حسية تثبت ان زمام المبادرة هو في يد الجيش، الأمر الذي من شأنه ان يفوت الفرصة على احد اهداف المجموعات المسلحة وهو اظهار الجيش والدولة في حال عجز عن الفعل، أي أسر القرار الوطني.
2 – على المستوى الميداني، رصد المتابعون للموقف على الارض ان ثمة تدابير وخطوات جديدة فاعلة في اطار السعي الى محاصرة المسلحين وسد سبل التحرك أمامهم وذلك انطلاقاً من تصور معلن وهو ان المواجهات مع هؤلاء المعتدين لم تضع أوزارها، وان الرهان على تسلّل الوهن الى عزيمة القيادة العسكرية هو مجرد وهم وسراب. ولم يعد خافياً ان من جملة هذه الخطوات تعزيز وجود الجيش في ميدان المواجهات واتباع استراتيجية جديدة في ضرب اهداف المسلحين ومواقعهم.
3 - ان قيادة المؤسسة العسكرية توائم في إنفاذ المهمة الموكولة اليها بين أمر جبه المجموعات المسلحة المعتدية وبين أمر الحرص على أهالي عرسال وتوفير كل مستلزمات العيش الكريم ومقومات استقرارهم، بدليل أنه لم تصدر أية شكوى من الأهالي عن أي نقص في اي مادة من مواد العيش والطبابة والاغاثة، وهو ما يدحض الشعار المزعوم عن "ذبح عرسال".