بعد طول ترقّب، بدأت عملية ضرب الإرهاب في سوريا وليس في العراق. يقف لبنان على إستعداده وتأهبه وحذره، هو شريك في هذا التحالف الدولي، جيشه يواجه المسلّحين في جرود عرسال، توحي الأمور بأن قرار المواجهة المتّخذ من قبل الحكومة سيدخل حيّز التنفيذ في الأيام المقبلة، وليس ما يشير إلى التراجع خصوصاً أن المواجهة أصبحت مطلب فريقي الصراع وإن اختلفت حساباتهم، ومن هنا فإن الحرب قادمة.
الواضح أن الإستراتيجية في لبنان هي دفع الأمور بإتجاه المزيد من إنخراط الجيش في معركة مفتوحة مع هذه المجموعات، لكل فريق في ذلك حساباته، فحزب الله يعتبر أن هناك ضرورة للتنسيق بين الجيش اللبناني والجيش السوري للقضاء على هذه المجموعات، أما الطرف الثاني أي قوى الرابع عشر من آذار فيريد حصر هذه المعارك بالجيش اللبناني وحده خصوصاً أنه يحمّل مسؤولية ما جرى لتدخّل حزب الله في سوريا. رغم هذا التناقض، فإن التوجه يسير نحو المنحى العسكري ودفع الأمور إلى مشاركة لبنان في هذه الحرب الدولية، خصوصاً بعد ما جرى في عرسال، والإعتداءات المتنقّلة على الجيش.
وبدخول طرف ثالث هو هيئة العلماء المسلمين بموقف مناقض للجميع، وهو رفض العمل العسكري، وفقما أعلنت الهيئة التي تتحضر لجمعة "لا لذبح عرسال"، سيزيد الإنقسام الداخلي حول أهداف هذه المعارك، والتي يبدو أنه سيطول مسارها والنتائج المنتظرة منها لن تظهر مبكراً.
تقرأ مصادر واسعة الإطلاع في المجريات العسكرية السريعة، وتعتبر أن الحرب بدأت وهي تشمل كلّ دول المنطقة، تقول المصادر لـ"المدن": "لبنان في عين العاصفة، على الأرجح قد تحصل بعض العمليات المتنقلة في بعض الدول منها لبنان، خصوصاً أن هذه الحرب شاملة، الإحتمالات مفتوحة". وتقول مصادر وزارية بارزة لـ"المدن" إن المواجهة متوقعة في لبنان، ولكن هناك رهاناً على أنه خلال بضعة أشهر بعد إستمرار هذه الضربات وبإنتظار مدى فعالياتها فسيكون مقدمة لتسويات كبرى في المنطقة، وهذا ما يظهر بعدما انسحب الوضع على اليمن بعد مجريات الأمور العراقية، وكأن الأمور توحي بأخذ في مكان وردّ في آخر.
كل الأجواء جاهزة، الجيش اللبناني أعلن إستعداده لخوض المعارك العسكرية ضد المسلّحين، يشير سياسي بارز لـ"المدن" إلى أننا مقبلون على الكثير من الدماء، خصوصاً أن المجموعات المتطرفة قد تلجأ إلى تنفيذ ضربات في الداخل اللبناني كرد على الضربات التي تتلقاها في سورية، وذلك بهدف توسيع رقعة المعارك.
سار التحالف الدولي ضد الإرهاب، إنطلقت ضرباته الجوية، ما يفتح الصراع السياسي على مصراعيه، ولأن لبنان جزء لا يتجزأ من ما يجري حوله، وشؤونه السياسية مرتبطة إقليمياً، لا يمكن سوى قراءة وضعه من المنظور الإقليمي في ضوء هذه الحرب، إذ تريد جميع الدول والقوى المؤثّرة جني ثمار هذه المعارك. ويقول ديبلوماسي واسع الإطلاع لـ"المدن": سيبدأ الشدّ والرخي وسنشهد رسائل متبادلة سعودية إيرانية، لكن تحت السقف الأميركي، أي ضمن الحسابات المسموحة في شروط اللعبة الأميركية، وهي تأتي في إطار تحسين كل طرف لشروطه، فمثلاً صعّد الإيراني في اليمن وكسب النزاع، بعد تعرّضه لنكسة في العراق، أما في لبنان، فهو موضع تجاذب غير واضح في ظلّ بعض التحولات، فالوضع المستجد يفرض ضغطاً على حزب الله، بعد أن تبيّن أن الجيش ليس مطواعاً في يد الحزب وقراره، ويعتبر المصدر أن هناك نوعا من التوازن لدى الجيش لا سيما مع الهجمة السعودية ـ الأميركية لدعم المؤسسة العسكرية. ولا يمكن إغفال أن أي تصعيد سيقوم به حزب الله في سوريا أو لبنان فسيواجه بتصعيد مقابل من جانب المسلحين.
تبدو الأمور اللبنانية شائكة ومعقّدة أكثر من الدول المجاورة على الرغم من أنه أقلّ بلد تدور فيه معارك عسكرية. العوائق تكمن في السياسة. في ظلّ عدم الصراع الأمريكي الإيراني كما كان سابقاً، يصعب التصعيد لحماية المكاسب، ومن هنا أتى التوافق السياسي ووحدة القرار على خوض الجيش للمعارك في جرود عرسال، وإن اختلفت التوجهات، يبحث حزب الله عن حلفاء، لم يعد قادراً على فعل ما كان يفعله سابقاً، كما يحاول دفع الجيش إلى المواجهة لتخفيف الضغط عنه، فيما يبحث خصومه عن دور افتقدوه، يحاولون إستعادته عبر الجيش.