لا ينفك رئيس المجلس النيابي يردد في مجالسه في معرض مقاربته للتوترات الأمنية في طرابلس "أن الفراغ يملأه دائماً الهواء الأسود".
لا يضع نبيه بري في توصيفه الإصبع على الجرح فحسب، بل يختزل سنوات من الحرمان والإهمال غابت فيها الدولة بكل مؤسساتها عن طرابلس وما تزال، بما يجعل العاصمة الثانية عرضة لشتى أنواع الاستغلال السياسي والأمني، ويجعلها صندوق بريد دائماً لتبادل الرسائل النارية.
لا يختلف إثنان على أن طرابلس تعاني اليوم من فراغ سياسي واجتماعي، يؤدي الى رفع منسوب التوترات فيها، ويحولها الى مدينة جاهزة للتفاعل مع كل حدث لبناني أو إقليمي.
مع انطلاق الخطة الأمنية في الأول من نيسان الماضي، وعدت الحكومة بأن تترافق هذه الخطة مع خطة تنموية فورية تساهم في رفع المستوى الاجتماعي للمناطق الساخنة في المدينة بما يؤشر الى عودة الدولة أمناً وإنماءً إليها بعد إقفال محاور القتال فيها الى أجل غير مسمى، والزج بمعظم قادة المحاور في السجون.
لكن هذه الوعود بقيت حبراً على ورق، فانطلقت الخطة الأمنية بتوقيفاتها ومداهماتها، من دون أن يشعر أبناء طرابلس عموماً وأبناء التبانة والمحاور المحيطة بها خصوصاً بحضور الدولة إلا عبر عسكرها، وحتى تعويضات الهيئة العليا للإغاثة لم تسرّع الحكومة في صرفها بحجة عدم استكمال لوائح المتضررين، وهي ما تزال متوقفة، فيما المتضررون يعانون الأمرَّين على أبواب فصل الشتاء.
ولم تكتف الحكومة بنكث وعودها التنموية في طرابلس، بل قامت بـ"السطو" على مبلغ المئة مليون دولار الذي أقرّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي لها، بحجة تمويل ثلاثة مشاريع كان من المفترض أن تنجز في المدينة منذ عشر سنوات على الأقل ولا سيما المنطقة الاقتصادية الحرة وسكة الحديد، أما المشروع الثالث فتعترض عليه البلدية وهو إنشاء مرأب في ساحة التل، علماً أن جزءاً من المئة مليون دولار كانت ستخصص لمسح صورة الحرب في كل المناطق التي شهدت جولات عنف فضلا عن تأهيل البنى التحتية فيها.
في غضون ذلك، تقدم "تيار المستقبل" بمشروع دهن واجهات مباني شارع سوريا باللونين الأبيض والأزرق برغم اعتراضات بعض الأهالي على اللونين اللذين يتشكل منهما علم "تيار المستقبل"، ولكن الاعتراض الأبرز هو على تأهيل واجهات منازل يعشش الجوع والمرض والفقر في داخلها، وعلى تأهيل مبان تفتقر الى البنى التحتية وتجتاحها المياه الآسنة.
كما لا يختلف اثنان على أن غياب أكثرية القيادات السياسية في المدينة عن القيام بواجباتها في متابعة قضايا المواطنين والضغط على من يمثلها في الحكومة لتأمين أبسط الخدمات للمناطق الفقيرة، دفعت بأبنائها الى الارتماء في أحضان بعض التيارات المتطرفة التي بدأت تحركهم في اتجاهات معينة، لا سيما على صعيد التحريض المذهبي الذي يبلغ مداه اليوم في طرابلس وبدأ يُترجم باعتداءات وكتابات واعتصامات وهتافات وتهديد بما هو أخطر.
كما فتح ذلك، الباب أمام بعض نواب الشمال للدخول الى طرابلس واستخدامها في التحريض على المؤسسة العسكرية تارة أو مذهبياً تارة أخرى، في ظل صمت مريب يلف كل قياداتها السياسية والدينية والمدنية.
ومع قيام قادة المحاور بتسليم أنفسهم للأجهزة الأمنية التي أوقفت أيضاً بعضاً منهم، لم تجد المناطق الساخنة من يملأ الفراغ الذي تركه هؤلاء في مناطقهم التي كانوا يسيطرون عليها ويقدمون بعض المساعدات لأهلها، فانكفأ كثير من القيادات المحلية والمشايخ (ولا سيما "هيئة العلماء المسلمين") والكوادر عنها، وغاب السياسيون ومعهم الحكومة عن مجرد النظر الى الحاجات الضرورية لتلك المناطق التي عادت تفتح ذراعيها لمشايخ مستجدّين وقادة مجموعات مسلحة متطرفة بدأت بتوسيع نفوذها وإغراء الشبان للانضمام إليها، بعنوان "الثورة السنية المسلحة".
ويستفيد هؤلاء "المستثمرون الجدد" من أجواء ما يجري في عرسال، ومن الفراغ السياسي والأمني في المدينة في وقت لم تتمكن فيه القيادات من التوافق على وضع حد لهذه المجموعات التي تهدد السلم الأهلي في طرابلس مع استمرارها في استهداف الجيش اللبناني.
من الواضح، أن طرابلس لا تزال متروكة لمواجهة قدرها بنفسها، بالرغم من كل المخاطر التي تحيط بها، فهل تعي الدولة والقيادات السياسية والدينية والأمنية ذلك، قبل أن يغطي طرابلس الهواء الأسود؟.
ضاهر: قهوجي يبيع الجيش طمعاً بالرئاسة
حذّر النائب خالد ضاهر من قيام ثورة سنية "في حال استمر الظلم على أهل السنة في لبنان عموماً وطرابلس وعرسال خصوصاً"، ملوحاً في الوقت نفسه بسلاح دعوة العساكر السنة في الجيش اللبناني للعودة الى منازلهم «حتى لا يكونوا أداة بيد حزب الله في مشروعه الإيراني".
عقد ضاهر مؤتمراً صحافياً في دارته بطرابلس، أمس، خصصه للحديث عما أسماها "ممارسات استفزازية وانتهاكات بحق شباب أهل السنة، من قبل بعض ضباط المخابرات في الشمال".
استهلّ النائب الشمالي مؤتمره بتوضيح أسباب هجومه على ضباط المخابرات وانتقاد أداء الجيش "بسبب الممارسات الخاطئة التي ترتكب بحق الشباب الملتزم"، ولوحظ أنه لم يستثن هذه المرة قائد الجيش العماد جان قهوجي حيث اتهمه بأنه "يبيع المؤسسة العسكرية الى حزب الله طمعاً برئاسة الجمهورية".
ودعا ضاهر الى عدم السكوت على «مغامرات وحماقات وممارسات ميليشيات حزب إيران الطائفية الإرهابية التي تعبث في لبنان وسوريا"، وقال: "لن نسكت عندما يحاول الحزب الإرهابي ضرب مؤسساتنا وخاصة الجيش اللبناني حيث تزجّ به قيادة عسكرية فاشلة ومن خلال الخضوع لميليشيا حزب إيران في معارك خاسرة في سوريا يقتل فيها جنودنا ويطلق النار عليهم من الخلف، كما حصل في عبرا ومعركة عرسال".
وطالب ضاهر الحكومة بإعطاء الأوامر فوراً بنشر الجيش بمشاركة 70 ألف عسكري على الحدود ومنع الإرهاب والإرهابيين من الذهاب إلى سوريا أو المجيء منها ومنع ميليشيات وعصابات حزب إيران من الذهاب إلى سوريا ومنع الإرهابيين من المجيء إلى لبنان، وإذا تحجج البعض بأن 70 ألف عسكري لا يكفي عندها، يتم استدعاء الاحتياط من المتقاعدين وإذا لم يكن ذلك كافياً، نستنجد بالقوات الدولية وفق القرار 1701 وإذا عرقل ذلك حزب إيران فعند ذلك سنطلب من جنودنا أن يعودوا إلى ثكناتهم ومنازلهم لأنه لا يجوز أن يتواجدوا مع ميليشيات إرهابية وأن يقاتلوا جنباً إلى جنب معها، عندها سنطلب من أبنائنا ترك جيش القهوجي الخاضع لميليشيا حزب إيران".
وشنّ ضاهر هجوماً عنيفاً على مسؤول فرع مخابرات الجيش في الشمال العميد عامر الحسن، متهماً إياه بأنه فاسد ومجرم، متهماً قائد الجيش بتغطية ارتكاباته وإساءاته بحق أهل السنة وأبناء طرابلس والشمال، داعياً الى فك الحصار عن عرسال، وإلى أن يكفّ بعض عناصر الجيش عن ممارساتهم المذهبية مع العرساليين.