ان احدا لا يستطيع ان يجزم بما ستؤول اليه الامور في البلد في ظل المواجهة التي اصبحت مباشرة بين الجماعات الارهابية /تنظيم داعش ـ وجبهة النصرة /من جهة وبين الجيش اللبناني ومن ورائه معظم الشعب اللبناني من جهة ثانية في محيط بلدة عرسال وجرودها حيث يقوم الجيش بالفصل بين البلدة والجرد لمنع مقاتلي هذه الجماعات التي تتخذ من سفوح السلسلة الشرقية لجبال لبنان ساحة لعمليات تدريب عناصرها ومستودعات لاسلحتها ومأوى لها ,من التواصل مع البلدة التي تستطيع من خلالها من الاطلال على العالم الخارجي وتأمين احتياجاتها من مواد غذائية وغيرها ,وبالتالي فان الجيش يهدف من وراء ذلك الى فرض طوق على تجمعات هذه العناصر بغية محاصرتها بحيث يسهل امكانية ضربها والحد من قوتها وصولا الى الهدف النهائي وهو القضاء عليها تسهيلا لامكانية تحرير العسكريين المخطوفين وهم احياء .
لكن الجيش ومع سعيه الحثيث لاستكمال عناصر قوته بعدما وصلته كمات كبيرة من الاسلحة والذخائر التي يحتاجها ومع تمركزه في المواقع المناسبة التي تساعده على خوض معركة كبيرة وشرسة بدأت ملامحها تلوح في الافق , تبقى نقطة ضعفه هي احتجاز العسكريين المخطوفين والموجودين تحت سيطرة هذه الجماعات والتي قد تتخذ منهم دروعا بشرية بحيث يصبح مصيرهم معلقا ومجهولا ولا يستطيع احد ان يتنبأ بنهايتهم .
وامام هذه المهمة الصعبة والشاقة الملقاة على عاتق المؤسسة العسكرية والتي تفترض تحركا واسعا ودعما غير محدود من الطبقة السياسية , فاننا نلاحظ السياسيين في البلد وعلى اختلاف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية وعلى تنوع مشاربهم السياسية والحزبية وكانهم غائبين عن السمع باستثناء بعض التصريحات التي لاتسمن ولا تغني عن جوع والتي تبقى قاصرة جدا عن مستوى الحدث الجلل والذي يشوبه الكثير من التعقيد والغموض, ويتلهون بمماحكات ونزاعات سخيفة بين طرف يطالب بالانتخابات النيابية قبل الانتخابات الرئاسية وطرف آخر يطالب بالعكس وذلك بما يخدم مصالحهم ومشاريعهم الاقليمية وارتباطاتهم الخارجية .
وفي المشهد السياسي والتطورات الدراماتيكية المتسارعة ,فلا تبدو الوساطة الاقليمية قادرة حتى الان على الاقل على اقناع عناصر هذه الجماعات الارهابية بالتعقل والخضوع للمنطق والسير بمفاوضات جدية . وكذلك فان تنسيق الجيش اللبناني مع النظام السوري في عملية عسكرية ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة قي جرود عرسال لا يبدو مسموحا به , ان كان موجودا بالاصل , وبالتالي فلا يبدو التحالف الدولي الفضفاض الذي تقوده الولايات المتحدة الاميركية قادرا على تحسين موقع لبنان التفاوضي في الوقت الراهن وقبل ان يحقق انجازات ميدانية ملموسة مما يوحي بان لبنان متروك لمصيره وكما يقول المثل ((عليه ان يقلع شوكه بيده .
يبقى المشهد الاكثر مأساوية والاكثر ايلاما وكآبة هو مشهد اهالي العسكريين المخطوفين العاجزين عن اتخاذ موقف قد يساهم في التخفيف من معاناتهم وعذاباتهم التي يعيشونها بقلوب تتحرق الى نهاية سعيدة لاولادهم خصوصا وهم يتلقون الاخبار المخيبة لما تبقى لديهم من آمال عند اقدام عناصر هذه الجماعات على ذبح وقتل ضحاياهم الواحد تلو الاخر , الامر الذي يزيد من منسوب الرعب والهلع على مصير ابنائهم مما يساهم في دفعهم الى فوضى في التحرك وعدم قدرتهم على اتخاذ موقف موحد ومجدي وبناء . فمرة يقطعون الطريق هنا ومرة يقطعونه هناك ومرة يتهمون هذا الطرف بالتقصير ومرة اخرى يتهمون طرفا آخر , وهم بذلك وبدون ان يعرفوا فانهم يخدمون مشروع الارهابيين الذين يسعون الى زرع بذور الفتنة بين مكونات المجتمع اللبناني وخصوصا بين الفريق الشيعي والفريق السني .
وفي ظل هذا الارتباك السياسي فلم يبقى امام اللبنانيين الا ان يسلموا امرهم الى الله فهو ارحم الراحمين واحكم الحاكمين للحد من الاثمان الباهظة التي يدفعها البلد بسبب السياسة الرعناء التي تنتهجها تلك الطبقة السياسية المتخاذلة .
طانيوس علي وهبي