ما فائدة ان تضع الحكومة اللبنانية تقريراً عن أزمة اللاجئين السوريين لتوزعه على الديبلوماسيين وتحاول ابقاءه سرياً لأنه يتضمن معلومات مخيفة عن التداعيات المتوقعة لأزمة اللجوء، ذلك "ان لبنان غير محصّن من انهيار اقتصادي يليه انهيار امني، بتبعه انهيار اجتماعي وتغيير ديموغرافي خطير"!
هكذا بالحرف. اذاً نقول لكل المسؤوليين والسياسيين "صح النوم"، لكأنهم أفاقوا اصلاً من غيبوبتهم الوطنية او نسوا صراعاتهم ليتذكروا ان لبنان وطن آخذ في الغرق، وأنه يحترق وهم مختلفون على جنس الملائكة!
التقرير تأخر عامين لأنه منذ أن بدأ تدفق السوريين، سواء الذين تم تسجيلهم او الذين عبروا الحدود الفالتة، كان يفترض ان يعرف المسؤولون من ايام حكومة النأي بالنفس، التي كانت حكومة النأي عن المسؤولية والحس الوطني، اننا سنكون امام ملف خطير أين منه ملف اللجوء الفلسطيني الذي عانى ويعاني بسببه لبنان، وكان صاعقاً تفجيرياً أدخلنا في حرب مسلسلة لم تنته مفاعيلها بعد.
عام ١٩٤٨ كان عدد اللاجئين الفلسطينيين عندنا ٥٨ ألفاً وكان عدد اللبنانيين مليوناً، في السبعينيات كان لدينا ١٣ مخيماً واكثر من ٥٠٠ الف فلسطيني، طبعاً لا حاجة الى الحديث عن الفواتير الامنية التي دفعها البلد، لأن الأهم الآن اجراء مقارنة بسيطة، حيث لدينا ما يقرب من مليوني لأجئ سوري في مقابل خمسة ملايين لبناني، اي ٣٧٪ من عدد اللبنانيين بينما يتواضع التقرير ليتحدث عن ٣٠ ٪ فقط.
اذا انتهت الحرب في سوريا غداً الى اين سيعود الذين دُمرت منازلهم؟ وهل سيعود الذين تدبّروا لأنفسهم عملاً لم يكن متوفراً لهم في سوريا قبل الحرب؟ التقرير يتوقع ان تستمر الأزمة الناجمة عن اللجوء عشر سنوات، لكنها باتت أزمة مصير على اكثر من صعيد، ولم يبالغ التقرير عندما قال انها قد تتسبب في دومينو من الانهيارات التي قد تدمّر لبنان.
المضحك ان نرفع تقريراً مرعباً الى دول العالم التي تتفرج علينا ونحن نغرق، والتي لم تقدم لنا سوى ٣٠ ٪ مما تقرر لنا في مؤتمرات المانحين، والمبكي ان التقرير يتوقع دفقاً جديداً من اللجوء الكثيف بعد بدء الحرب على "داعش"، لكن ما لا يصدّق ان تستمر الحيرة عندنا بين من يريد إقفال الحدود لأن الوعاء اللبناني لم يعد يتسع وبين من يدعو الى إنشاء مخيمات للسوريين بمعدل مخيم لكل عشرة آلاف، اي اننا نحتاج الى ٢٠٠ مخيم ولا ندري ما اذا كانت الجغرافيا اللبنانية تتسع لمئتي مخيم، يحذّر السفراء من ان تصبح نسخة من مخيم عرسال الذي فتح جرحاً غائراً في الخاصرة اللبنانية.
ايها الأكارم عوّضكم الله البركة، لبنان يحتاج الى رجال موقف لا الى تقارير!