الثلاثاء الماضي في السادس عشر من الشهر الجاري وحوالي الساعة الخامسة عصرا ,اقيم حفل تنصيب مفتي الجمهورية اللبنانية الجديد الشيخ عبداللطيف دريان في قاعة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مسجد محمد الامين (ص) في وسط بيروت.
وقد حضر حفل التنصيب حشد من المسؤولين والمرجعيات الدينية والشخصيات من بينهم نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الشيخ عبد الامير قبلان ورئيس مجلس الوزراء تمام سلام والبطريرك الماروني بشارة الراعي ممثلا بالمطران بولس مطر , وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن كما حضر الحفل مفتي الديار المصرية الدكتور الشيخ شوقي علام وممثل عن المملكة العربية السعودية الدكتور سليمان ابا الخيل .
واللافت في هذا الحفل انه لم يقتصر فقط على تنصيب مفتي جديد للجمهورية اللبنانية , بل انه كان حدثا اسلاميا ووطنيا بامتياز وكان مناسبة للقاء والتلاقي على كلمة سواء على المستوى الوطني والعربي والاسلامي في مواجهة التعصب والتطرف والتكفير , حيث علا في هذه المناسبة صوت الاعتدال في وجه الارهاب والجماعات الارهابية الضالة والمضللة باسم الدين او المذهب او السلطة .
وقد التقت كلمات الخطباء على تنوعهم الطائفي والمذهبي والقطري على التركيز على نفس المحاور والمضامين من دون سابق تنظيم او تنسيق , الامر الذي يؤكد من جديد على ان المسلم والمسيحي والسني والشيعي والدرزي واللبناني والسعودي والمصري يتكلمون اللغة ذاتها ويتطلعون الى اهداف واحدة ويعانون من الآم واحدة وذلك عندما تتحرر الأرادات وتتوحد الخيارات بعيدا عن الخلافات والانقسامات والصراعات .
فكلمة الرئيس سلام ارتفعت الى مستوى الخطاب الوطني الشامل بشكل حاسم محددا المعاناة والألم من الوضع الحالي بدءا من الخلل الامني الذي يعاني منه البلد وصولا الى الانقسامات التي تكاد ان تشل الحياة السياسية بعدما نجحت في تعطيل الاستحقاق الرئاسي .
اما كلمة الشيخ عبدالامير قبلان فقد اكدت على حتمية الوحدة بين المسلمين وركزت على اهمية الحفاظ على العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين مستنكرا ما تعرض له المسيحيين في الموصل بالعراق على يد الجماعات الارهابية امثال تنظيم داعش وغيره , واللافت في كلمة الشيخ قبلان التحية التي وجهها للرئيس الشهيد /رفبق الحريري/ ومطالبته بحصر السلاح بالدولة اللبنانية والاجهزة الشرعية فقط وسحب الاسلحة من ايدي الناس .
اما خطاب المفتي الجديد الشيخ عبداللطيف دريان فيمكن اعتباره نهجا وبرنامج عمل للعهد الجديد في دار الافتاء ويمكن اعتباره خريطة طريق لتفعيل اداء مؤسسات دار الافتاء والاوقاف الاسلامية والمؤسسات التابعة لدار الفتوى ,فضلا عن رأب الصدع الحالي في الجسم الاسلامي والتأكيد على الشراكة الاسلامية ــ المسيحية في اطار التسامح والمساواة بين ابناء الوطن الواحد مستنكرا جرائم التنظيمات التكفيرية الظلامية التي تقتل وتذبح وتخرب وتدمر باسم الدين الاسلامي , والاسلام منها براء .
كذلك كانت كلمات كل من البطريرك الراعي وشيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن ومفتي الديار المصرية وممثل المملكة العربية السعودية فكانت كلها متشابهة لجهة ادانة الحركات الارهابية المتطرفة التي تعيث فسادا اينما حلت مستخدمة الشعارات الدينية من دون وجه حق الامر الذي يسيء الى الدين والرسالة .
فاللبنانيون جميعا وعلى اختلاف مشاربهم الدينية والطائفية يراهنون على هذه اللحظة التاريخية التي تم خلالها تنصيب الشيخ عبداللطيف دريان مفتي للجمهورية اللبنانية وتوليه لهذه المسؤولية والامانة واستلامه لمهامه على ان تكون هذه اللحظة بداية عهد جديد حافل بالرغبة في الاصلاح في مؤسسة دار الافتاء ومرحلة واعدة من العمل الواعي لاستعادة وحدة الصف الاسلامي وتحييد الشارع عن الخلافات السياسية والمسارعة الى تعزيز اللحمة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين لمواجهة تحديات وتداعيات الحركات التكفيرية والظلامية .
طانيوس علي وهبي