يقول زوّار دمشق انّ القيادة السورية في صدد إطلاق حملة دولية بين الدوَل الحليفة والصديقة لتوضيح موقفها من التحالف الجديد الذي تقوده واشنطن لمكافحة الارهاب، تركّز فيها على انها كانت السبّاقة الى التحذير من مخاطر الارهاب على المنطقة والعالم كله، وقدّمت في مواجهته تضحيات لم تقدمها دولة أخرى، وانّ بعض اعضاء هذا التحالف كانوا يرفضون تحذيراتها المُبكرة ويدعمون المنظمات الارهابية.
وتشير دمشق، حسب زوّارها، الى انّ محاربة المجموعات الارهابية المسلحة لا تتمّ الّا باعتماد استراتيجية متكاملة وشاملة توحّد كل الجهود وتتجاوز كل الخلافات وتستبعد الازدواجية في التعامل مع هذه المجموعات، أو الانتقائية في اختيار مَن تعتبرهم منظمات ارهابية.وتؤكد دمشق انّ استبعاد "جبهة النصرة" مثلاً عن المنظمات الارهابية والتركيز على "داعش"، يعني انّ محاربة الارهاب، حسب هذا الائتلاف، ليست جدية لأنها تتجاهل نَص القرار الدولي 2170 الذي سَمّى "النصرة" جنباً الى جنب مع "داعش".
ولا تستبعد القيادة السورية ان يكون عنوان التحالف محاربة "داعش" وحقيقته المضيّ قدماً في استراتيجية تدمير سوريا والعراق دولة ومجتمعاً ونظاماً أثبت أنه الاقدر على مواجهة هذا الارهاب والصمود في وجهه ما يُقارب السنوات الاربع.
وتعتقد دمشق ايضاً انّ محاربة الارهاب لا تحتاج الى عمليات عسكرية وغارات جوية، بل تحتاج الى ضغط على الدوَل المساندة للارهاب، وكلها حليفة لواشنطن" بغية إغلاق حدودها أمام تسلّل الإرهابيين من جهة، ووَقف التسليح والتمويل والتحريض الطائفي الذي بات يشكّل التربة الخصبة لهذا الارهاب.
ويعطي المسؤولون السوريون، أمام زوّارهم، مثلاً على ازدواجية خطة مكافحة الارهاب، الموقف التركي نفسه الذي لا يُخفي تردّده عن المشاركة في هذه الحرب بذرائع مختلفة، على رغم انّ تركيا دولة مجاورة لسوريا والعراق، وعضو رئيسي في حلف "الناتو".
وهذا التردد التركي يعني أحد أمرين: إمّا انّ الحكومة التركية متمردة على رغبات حليفها الاميركي، أو انها متفاهمة سراً مع واشنطن على إبقاء الحرب مشتعلة في سوريا والعراق لسنوات طويلة بهَدف استنزاف طاقات البلدين وتقسيمهما وتفتيتهما على أسس طائفية وعرقية.
وفي هذا الاطار يلفت محللون سياسيون الى ما يُنشَر في الصحف التركية عن انّ "داعش" واخواتها يشكّلون "فرنكشتاين تركيا" الذي افترس صانعه من ضمن مَن افترسَهم من ضحايا.
ويضيف هؤلاء انّ جدية ايّ تحالف لمواجهة الارهاب لا تظهر في إبراز العضلات العسكرية الاميركية في أجواء العراق اليوم وفي سوريا غداً بمقدار ما يبرز في مدى قدرتها على ضَمّ تركيا فعلياً الى هذا التحالف والمساعدة على محاصرة المسلحين الذين تتحوّل المناطق التي يسيطرون عليها ساحات اشتباك دامية بين فصائلهم المتعددة.
ويلاحظ المحللون هنا التناقض في تصريحات المسؤولين الاميركيين في شأن حربهم على الارهاب، ففيما يؤكد الرئيس باراك اوباما انّ بلاده لن تُرسِل جندياً واحداً الى ساحات القتال، يعلن مسؤولون آخرون، بينهم رئيس هيئة الاركان الاميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي، انّ العملية العسكرية قد تحتاج الى مستشارين عسكريين وأمنيين يرافقون القوات البرية في معاركها.
ويضيف المحللون انّ موافقة مجلس النواب الاميركي على قانون تمويل المعارضة السورية المعتدلة لن يغيّر في الوقائع الميدانية كثيراً، فهم يدركون في قرارة أنفسهم ضعف هذه المعارضة المعتدلة وانّ كل ما يَصِلها من عون عسكري ومادي سيصبح بعد فترة وجيزة في أيدي المنظمات المتطرفة، سواء عبر السيطرة المباشرة لهذه المنظمات عليها، أو عبر انضمام مجموعات كاملة اليها بسبب يأسها من الأداء العسكري والسياسي لِما يُسمّى المعارضة المعتدلة التي لا تستطيع أن تحارب النظام السوري بمفرده، فكيف لها أن تحارب النظام والمنظمات المتطرفة التي أثبتت انها أكثر قوة وفعالية منها.
ويتوقف المحللون أنفسهم امام المواقف المترددة لدوَل اوروبية حليفة لواشنطن، حيث تضع بعض العواصم الاوروبية شروطاً مستحيلة كوجود قرار دولي بشَنّ هذه الحرب، وهو أمر متعذّر بسبب "الفيتو" الروسي والصيني المتوقّعَين.
ويعتقد هؤلاء انّ مؤتمر باريس الذي حضره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والذي دُعيَت إيران لحضوره على رغم اعتراضها، هو مؤشّر على وجود أكثر من رؤية داخل الدول الغربية حول التعاطي مع الارهاب.
ويُبدي المحللون قلقهم من تنامي الدور الاسرائيلي في الازمة السورية، وهو دور بقيَ مستتراً حتى وقت قريب، وينبّهون الى أنّ ما يجري في الجولان المحَرّر من عمليات عسكرية بالتنسيق مع إسرائيل هو مؤشّر على تورّط اسرائيلي متصاعد في هذه الازمة.
ويكشفون معلومات تفيد انّ حركة المسلحين في الجولان المحرّر تتركز بمعظمها في المنطقة الفاصلة بين الارض السورية المحررة والارض السورية المحتلة، وتحديداً في مناطق تمركز قوات "الاندوف" الدولية، حيث لا تستطيع الدبابات السورية الوصول اليها بسبب اتفاق الفَصل بين القوات المعمول به منذ العام 1974 بين سوريا واسرائيل، وانّ هذه القوات قد أخلَت فعلاً الجزء الجنوبي من الخط الفاصل بين الارض السورية والارض المحتلة، والواقع على الحدود مع الاردن التي ما زال المسلحون يتسللون منها.
ويؤكد المحللون انّ وراء هذه التطورات الميدانية ما هو أبعد من المشاركة في الحرب الدائرة في سوريا ليتّصِل بمشروع اسرائيلي يريد إقامة حزام أمني يمتد من الجولان الى منطقة العرقوب في الجنوب اللبناني، وهو ما قد يُشكّل بالنسبة الى إسرائيل إقحاماً للبنان في الحرب السورية بعد أن تعثّرت محاولات إقحامه من المناطق الشمالية في البقاع وعكار.
وفي هذا الإطار يُخشى مِن أن تكون اسرائيل، التي ما زالت حكومتها تعاني ارتدادات هزيمتها في غزة، تلعب بالنار على حدودها الشمالية، فلا سوريا ولا لبنان، ولا سيما حزب الله، يسمحون بوصول المجموعات المسلحة المتعاونة مع إسرائيل الى الارض اللبنانية، بل قد يكون لهما، أي لسوريا ولبنان، رَدّهما بما قد يُشعِل الجبهة الشمالية التي يدرك الاسرائيليون اكثر من غيرهم مخاطر إشعالها.
وبهذا المعنى يدعو المحللون الى مراقبة ما يجري في القنيطرة وجوارها، ويؤكدون انّ المسلحين في تلك المناطق يهربون من قصف الجيش السوري ويتركون الردّ عليه للمدفعية الاسرائيلية، فتختلط حينها القضية السورية بقضية النزاع العربي ـ الاسرائيلي، وهو أمر سيترك انعكاساته على المستوى العربي والاقليمي، فإيران مثلاً لن تقف مكتوفة أمام التورّط الاسرائيلي، وكذلك مصر التي تعتبر انّ أمنها القومي مرتبط بأمن سوريا، وستتجه أكثر نحو الاقتراب من ايران، وهذا ما تلوح بَشائره في الافق هذه الايام. وبالتالي، ستسعى الى إقناع الرياض ودوَل الخليج بمراجعة موقفها ممّا يجري في سوريا، خصوصاً انّ خطر التطرّف يَدهَم بلدان الخليج والجزيرة كلها.
امّا روسيا التي جَدّدت مع مصر، خلال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لموسكو بعد زيارته للرياض، التشديد على الحل السياسي في سوريا، والتي اعترضت على تحالف اقليمي ـ دولي يستبعد طهران ودمشق، فسيكون لها دورها في مواجهة هذه الاحتمالات.
وكل هذه أمور، حسب المحللين أنفسهم، تشير الى انّ المعركة في سوريا والعراق ما زالت طويلة، ولكنّ النظام في دمشق ما زال قوياً، خصوصاً انه بدأ يُحرز تقدماً واضحاً في أرياف حماه وادلب والحسكة، بالتعاون مع قوى محلية في تلك المناطق.
ويشير المحللون الى انّ ظهور المعارض السوري كمال اللبواني في مؤتمر هرتزيليا الاسرائيلي، هو إشارة رمزية الى تورّط بعض المعارضين في إعلان تحالفهم مع إسرائيل، وأمر لن تقبل به الوطنية السورية، حتى ولَو اختلفت بعض الفصائل سياسياً مع النظام.
وفي اختصار، فقد تشهد الايام المقبلة مشهداً أكثر تعقيداً في سوريا، كما في العراق، ما يزيد من ارتباك أعضاء التحالف الاقليمي ـ الدولي المرتبكين أصلاً.