ان كل ما حولنا لا يبشّر الا بمزيد من البؤس والهم والغم، حتى كأننا تحولنا الى أناس ظلاميين لا نستسيغ النور، وكأن العتمة صارت من مكوناتنا العضوية ، فلا اخبار مفرحة ، ولا تباشير يمكن ان نبني عليها امال بان لهذا النفق الأسود نهاية مرجوة
فالازمات السياسية الى مزيد من التعقيد، والصعوبات المعيشية تتفاقم فوق بعضها مع اقتراب فصل الشتاء وبدايات الموسم الدراسي وهمومه، المؤشر الاقتصادي الى انحدار، مشكلة اللاجئين من الاخوة السوريين تتفاقم بلا أي افق،واذا كان كل هذا وغيره بكفة، ففي الكفة الأخرى يقيم التردي الأمني ووصول النار السورية الى اطراف الثوب اللبناني واشتعال النار فيه ابتداءا من عرسال وجرودها وما انتجته من تسعير للاجواء المذهبية المقيتة واسر جنود لبنانيين ابطال، اختلف الفرقاء في كيفية مقاربة ملفهم بين معترض على المقايضة على حساب حياتهم تحت ذريعة هيبة الدولة، وبين من يعتبر ان الأولوية المطلقة هي في استرجاعهم الى ذويهم قبل تكرار مأساة استشهاد اثنين منهم هما علي السيد وعباس مدلج
في عباب طلاطم كل هذا الموج النتن، ومن عمق الجراحات، سطع شعاع انار لبنان بارضه وسمائه، حتى انه بدى خارج السياق العام، فتعامل معه الاعلام اللبناني والسياسيين اللبنانيين بالكثير من الفتور الى حد الإهمال، هذا الضوء الناتج عن العناق النوراني الوطني الإنساني الذي حصل بين والد الشهيد علي السيد لوالد الشهيد عباس مدلج
فالزيارة التي قامت بها عائلة الشهيد السيد لعائلة الشهيد مدلج في بعلبك انما حملت معها الكثير من المداليل والكثير من المعاني، بل استطيع ان أقول انها شكّلت صرخة في وجه كل المصطادين في المياه العكرة، وكل الذين لايجيدون الرقص الا فوق الجراح وفي مقدمة هؤلاء يقف بكل اسف الاعلام اللبناني ومن ثم يأتي السياسيون الذين هم سبب كل علاتنا،
جاءت هذه الزيارة لتقول لكل هؤلاء وبصريح العبارة انكم انتم وحدكم الذين تجلبون الى ربوع هذا الوطن الجميل باهله كما بطبيعته، كل هذا العفن ، وان كل هذا السواد الذي يلفنا انما هو انبعاث من رؤوسكم الخاوية الا من شرورها، حتى ان حدث جليل كهذا اللقاء المبارك والذي انما يعكس عمق الصفاء اللبناني والترفع اللبناني لم يأخذ حقه من الاعلام، وتم التعاطي معه كأنه خبر بسيط مر مرور الكرام فقط لانه لا ينسجم مع اهواء ارباب صناع الخبر، بالرغم من ان اكثر ما نحن بحاجة اليه هو احداث كهذه، لما تشكل من بقعة ضوء رغم كثافة الظلام .