ليست العوامل الأمنية وحدها هي الدافع إلى تمديد ولاية مجلس النواب الممددة أصلاً، وإنما المصالح السياسية أيضاً، بل إن هذه الأخيرة تتقدم على الأولى، ولكن مصلحة البعض تقضي بأن تكون الذريعة الأمنية هي الأقوى للسير في التمديد، وكأنّ «الخطف على الهوية» جاء لهذا البعض «من غامض علمه» في هذا السياق.
في العراق كان الوضع الأمني ولا يزال أخطر مما هو عليه في لبنان، وأجريت الانتخابات النيابية هناك. وعلى رغم الاجتياحات الداعشية وما رافقها من مجازر وتصفيات مذهبية وعرقية للألوف من المدنيين من كل الملل، تشكلت الحكومة العراقية الجديدة، وهي تعمل الآن على التحضير لموجبات الحرب التي قرر التحالف الدولي ـ الإقليمي الجديد شنها تحت شعار القضاء على «داعش».أما في لبنان، فيرى وزير الداخلية نهاد المشنوق أن وزارته لا تستطيع إجراء الانتخابات التي حدد موعدها في 16 تشرين الثاني، أي قبل أربعة أيام من موعد انتهاء الولاية النيابية الممددة في 20 من الشهر نفسه. الأمر الذي ادخل الاستحقاق النيابي في مدار تمديد جديد قد يكون حتى حزيران المقبل، أو «إكمال عدة» الولاية النيابية بحيث يكون هذا التمديد سنتين ونصف السنة.
والواقع أن هذه التمديد الذي يتحمّس له الآن فريق 14 آذار بعدما كان «تغزّل» طويلاً بـ»محاسن» الانتخابات، يُبطن رغبة هذا الفريق في الابقاء على حكومة الرئيس تمام سلام، وهي رغبة لم يخفها الرئيس سعد الحريري في الآونة الأخيرة، عندما ابدى تأييده لتمديد الولاية النيابية، فيما اعتبره آخرون «أبغض الحلال».
فإنتخاب مجلس نيابي قبل إنبلاج «فجر جديد» في المنطقة بدأ يراهن عليه كثيرون في ضوء الحرب المقرّرة على «داعش»، سيفرض تأليف حكومة جديدة، فيما 14 آذار تتمسك بشدة بـ«أهداب» الحكومة السلامية، ولا تريد القفز إلى وضع حكومي تراه مجهولاً.
وفي المقابل، فإن فريق 8 آذار، وعلى رغم إدراكه أن التمديد بات أمراً واقعاً، يفضّل بشدة ان تجرى الانتخابات للذهاب بعدها الى حكومة جديدة بتوازنات مختلفة عن التوازنات التي تتمتع بها الحكومة السلامية. إذ إن «البلوك السياسي» الذي تحدث عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري والذي يحول دون انتخاب رئيس الجمهورية العتيد، ومن ثم تأليف حكومة جديدة، لا يمكن إزالته الا بتوازن سياسي جديد يؤمنه المجلس النيابي المنتخب.
ولذلك لا تستطيع قوى 8 آذار ان تفرض اجراء الانتخابات على الآخرين لأنها لا تملك القدرة الكافية على فرض إجرائها، فيما «شعبية» التمديد الذي تريده قوى 14 آذار متقدمة لأن هناك اكثرية نيابية تؤيده، وهي اكثرية تريد بقاء حكومة سلام في هذه المرحلة انتظاراً لتبيّن الخيط الابيض من الخيط الاسود من «الفجر» الاقليمي ـ الدولي الموعود حتى تبني على الشيء مقتضاه.
وخلافاً لرأي كثيرين، فإن بري هو الأكثر جديّة واصراراً على إجراء الانتخابات، لأنه يجد فيها ما يمكن ان يصدم الواقع السياسي ويُخرج «أرنب» الحل للأزمة المستحكمة بين فريقي 8 و14 آذار وما بينهما ولتلافي «الآتي الأعظم» الذي يتخوف منه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط.
ويعتقد قطب سياسي بارز أن القرار الاقليمي ـ الدولي بشن الحرب على «داعش» لن يحين قطاف نتائجه في لبنان قريباً، بحسب توقعات البعض، لأن الحرب ستبدأ في العراق خدمة للسلطة العراقية الجديدة بالدرجة الاولى. اما ما بعد العراق فيبدو أنه ما يزال شديد الغموض، في ظل سؤال كبير يطرح نفسه بقوة الآن: هل إن التحالف الجديد هو مقدمة لإيجاد حلول لكل ازمات المنطقة وصولاً الى الأزمة السورية؟
وهل حان اوان هذه الحلول على حلبة المصالح الاقليمية والدولية المتنازعة منذ سنوات وسنوات في المنطقة؟ ام أن هذا التحالف سيجدد عهد الحروب الاميركية ـ الدولية التي كانت بدأت في افغانستان والعراق منذ العام 2001 تحت عنوان «الفوضى الخلاّقة» التي أطلقها المحافظون الجدد في الادارة الاميركية الجمهورية السابقة؟
الواضح من المواقف حتى الآن، ان المنطقة قد تشهد عملية اعادة تموضع في النزاعات التي تشهدها، لأن ما قرره التحالف في شأن العراق قد يكون غيره في شأن سوريا، فيما تكمن موسكو في مكان ما لتلافي تحول التحالف عن إستهداف «داعش» الى استهداف جديد للنظام السوري يكون «بدل من ضائع» عن الضربة التي كانت مقررة ضد دمشق قبل سنة واحبطتها القيادة الروسية.