هاني فحص المُعطَّر برائحة الأرض ، وما تنبته من أزهارٍ وورودٍ..أنت شريكها تعرفُ سرَّ تربتها وسرَّ حبَّتها ، العاشق لمشاتل الزهر والتَّبغ وحبقُ الحدق ، والخيطان المُطرَّزة بورق الدخَّان في أشواك القرى ، الراوية لتلك العظام بدمعٍ من شمع الأصابع.....
أنت الخزَّانُ إذا ما نضبت جداولُ وحينا عدنا إليك نستمدّ الوحي والثقة ، في كلِّ كوخٍ من أكواخ الشهداء والقرى والجنوب والوطن لك ألف حكاية ورواية ، في كلِّ قبضة حَبٍّ تطرحها على وجه الأرض نشُمَّ منها رائحة المحبة وتعيدنا إلى ذكرياتٍ مخبأةٍ في ذاكرة صلاة..
في كلِّ ضربةٍ من معولك قصيدة ، وفي كلِّ رنَّةٍ من منجلك مقالة ، وفي كلِّ ساقٍ لسنُبُلتك القمحية الذهبية لحن من ألحان الحرية ودعاء الشكر وترنيمة الصلاة....
شاء الله أن يكون – هاني فحص – السيد المُعمَّم بعمامة الصدق، العلامة المعجون بطينة الوفاء والمحبَّة ، الأستاذ والأب والأخ والصديق الذي وسع من هذه الدنيا علماً وأدباً ومعرفةً وأخلاقاً ، فحقاً أنت نموذجاً أسمى ، ومثلاً أعلى ، توختك عمامة بيضاء ، فصنعت منك إنساناً –أقولها بصدق – يهطع لك العقل والقلم بإعجابٍ وترمقك العيون بعين الدهشة والإكبار...فكنت حقاً جوهرة خلقها الله تعالى وصاغها فكرك الأدبي...
سيدي أراني مدينٌ لك كما الكثيرين في وطني لأنك المربِّي ، أراني سعيداً كما الكثيرين في وطني عندما نتصفَّح كتاباتك ومؤلفاتك بلذَّةٍ وشغفٍ ، وسبحنا في عالمك الذي قد لا يفهمه إلاَّ صاحب الحسِّ المُرهف...كتابك – ماضٍ لا يمضي – سيبقى خالداً في الروح وموجوداً في العقل والقلب ، كيف يمكن لهذا الماضي أن يمضي ، فمضى ولا يمضي ، لأنه ماضٍ ومضيء لما في القلب من قحطٍ وجوعٍ ، وما في الروح من تجفُّفٍ وتعطيشٍ....
سيدي ننحني أمام يدك التي سطَّرت حروفاً من نورٍ وهدايةٍ ، والمشعل الذي نسير بهديه لنقترب أقرب فأقرب من النفس ، وتقصينا أبعد فأبعد عن الأنانية لِتُقوِّي إيماننا بالوطن والإنسان والإنسانية...مردِّداً قول عيسى المسيح (ع) " لا تقاوموا الشرَّ " لأنَّ الأعمال والأقوال تَحبَل وتلد ، كما النساء...
هاني فحص لا يكاد يغلق دفتراً حتى يفتح آخر ويكتب ، وإذا ما أعوزته الدفاتر كتب على أكياس الورق ، وقلت : سوف أكتب لأعالج مرضي ، وسوف أحافظ على مرضي لأكتب ، وأنا مطمئن البال ، إلى أن لي من الحب والإيمان ما يمنعني أن أسبب للشعب والوطن أي أذية، ولسوف أمضي أحب فأنقد ، وأنقد وأحب ، حذراً من النفاق ومن الكراهية البغيضة ، سوف أكتب لأقرأ ، وأقرأ لأكتب ، وأكتب لأعرف ، وأعرف لأتحرَّر ، وأتحرَّر لأُحرِّر ، وسوف يبقى الشك يقيني ، واليقين شكي ، إلاَّ بالله فهو حسبي ونِعمَ الوكيل..إنك بعين الله فهو حسبك نِعمَ المولى والمُعين ، ونِعمَ الشافي والنصير....
الشيخ عباس حايك