عند ساعات الصباح الأولى وأنا أقلب الصحف شدّني إسمُك إلى الزاوية العليا من الصفحة الأولى في جريدتك التي عشت معها وعاشت بك, وملأني شعور عظيم وخانتني عبرتي وسكبت عيناي دموعا لم تكن الأولى, فقد انهمرت قبل أيام بعد اتصالي العادي والدوري ذلك اليوم " بمصطفى وزيد وحسن وام حسن وباديا " لأسأل عنك فإذا بي أسمع من "مصطفى" صوته الخافت الذي نزل علي كالزلزال : " والله السيد مش منيح وضعو اليوم " ,وما أتممت الكلام وانقطع الصوت لأجد نفسي في المستشفى, فإذا بي ألاقي إخوتي الذين يخبرون أخاهم الغائب عن وضع أبيهم فأحسست أن ظهري انقطع وقدماي لم تعد تقو على الوقوف شو صار؟ البارحة تركته وأنا بصحبة محمد أبو درويش برغم ضعف الرئة التي امتلأت بالمحطات القاسية والتراكم من السهر عند كل خطر كان يداهم الامة والوطن والناس والدولة والعقيدة والايمان والمقاومة والفتنة والحوار والوحدة والتقريب .
تضعف رئته التي تنبض بالحب رغم الكراهية وتنبض بالحياة رغم تكريس ثقافة الموت .
لم أرد السؤال عن قول الطبيب فأنا أعرف المرض ليس بعلة صحية بل من علل شتى نعيشها في هذا الزمن الرديء .
هاني فحص .. كنت أدخل عليه قبلا وهو يتنفس من الماكينة التي تمده بالأوكسيجين, فأشعر أنه الذي ما زال في قلبه كلام كثير وما زال ينبض بالمعرفة, وأنا أشهد أنني لم أزره يوما أو أدخل عليه إلا وخرجت بفائدة من هذا الوالد والعالم والأخ والصديق, لم نكن من جيله بل أنا أكاد أكون أصغر أبنائه سنا, لكنه كان يتعامل معي كصديق معتق يحتفظ بصداقته , كنت أحاول أن لا أختلف معه بشيء على أن كثرة الوفاق نفاق ومع خوفي أن أقع فيه, كنت أمازحه باختلافي وخلافي معه في تناول قضية أو رأي فأراه يذهب بعيدا في تدفق المعرفة فكأن المعرفة عنده لا تكون إلا بالاختلاف والخلاف فهما من شروطها .
سأكتب عنه الكثير وأعترف أن في بدء مساري اعتمدت عليك كالطفل يحبو بين يدي أبويه أيها السيد العظيم .
ما فارقتني العبرة وأنا أكتب هذه السطور والدمعة بللت أوراقي علّها تشهد على حب بدء منذ سنوات وهو في ازدياد .
هاني فحص .. لن أقيسك على أحد فأنت فريد في مقاسك ومن سعادتي أنني على مقاسك حتى في اللباس, وأنت في المستشفى لم يسعفك الحال لتقول لي : " الجُبَبْ وصلوا " وكان قد أوصى لي بخياطة جبّة مع جببه في الأردن وطلب مني أن أتصل بالسيدة ريما خلف وبعد أن أوصلت لها سلامه وسألتها عن الثياب أجابت جواب البنت لأبيها : أرسلتهم مع شخص لم احفظ إسمه وحفظت له ولها سر المحبة والاحترام في قرارة كل منهم .
هاني فحص .. عد إلينا وكفى ...
هاني فحص .. عد إلينا وكفى ...الشيخ عباس الجوهري
NewLebanon
مصدر:
خاص موقع لبنان الجديد
|
عدد القراء:
5709
عناوين أخرى للكاتب
مقالات ذات صلة
ارسل تعليقك على هذا المقال
إن المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس بـالضرورة سياسة الموقع
© 2018 All Rights Reserved |
Powered & Designed By Asmar Pro