يجادل كيفن ماكدونالد، أستاذ علم الاجتماع في جامعة ميدلسكس البريطانية، أن «داعش» كظاهرة لا يرجع في الفكر والممارسة إلى القرون الوسطى بحسب ما تقول تصريحات المسؤولين السياسيين والصورة الشائعة عنه.

 

 

ويوضح ماكدونالد، في مقال نشرته صحيفة «ذي غارديان» البريطانية قبل أيام، أن «داعش» ينتمي إلى الحداثة التي أسستها الثورة الفرنسية، مستشهداً بذلك بفقرات من مؤلفات أبي الأعلى المودودي وظهرت في خطبة «الخليفة» أبي بكر البغدادي في المسجد الكبير في الموصل. ويرى أن الإسلام الجهادي يوفر للشباب المسلم فرصة إبداء تمسكه الحقيقي بدينه، على الضد من أهالي هؤلاء، الذين يعتبرون الإسلام، وفق الجيل الجديد من الجهاديين، مجرد «تقليد وثقافة».

 

 

يتيح «داعش» للشبان المسلمين فرصة الانتماء إلى مشروع سياسي ديني ودنيوي تقوم أسسه على فكرة السيادة التي وضعتها الحداثة الأوروبية واشتغل أبو الأعلى المودودي على نقلها إلى الإسلام، على ما يرى ماكدونالد.

 

 

مقالة الأستاذ البريطاني من الكتابات القليلة التي تحاول سبر الأبعاد الاجتماعية والثقافية لظاهرة تنظيم «الدولة الإسلامية» والخروج من كليشيهات الترهيب وقطع الرؤوس وسبي النساء ورد الظاهرة إلى سوية ماضوية لا تربطها صلة بالمجتمعات العربية المعاصرة وتشكل تهديداً للعالم بأسره، وتتجه إلى النظر للتغيرات الجذرية التي تشهدها المجتمعات والتي انفجرت ثورات ونيراناً لم يهدأ أوارها بعد. لكن في الوسع الإضافة إلى ما كتبه ماكدونالد نقاط عدة:

 

 

نزعم أولاً أن ما أورده الكاتب من اعتراف بفكرة السيادة ومفاهيم الدولة وبناء مجتمع إسلامي جديد، لا يكفي لإدراج «داعش» ظاهرة مؤسسة على فلسفة الحداثة الأوروبية، ليس فقط لافتقار «داعش» إلى جملة أخرى من شروط الحداثة، من نوع الأخذ في الاعتبار فصل السلطات وبناء الدولة على أساس الأمة الأقرب إلى التجانس العرقي والثقافي، بالإضافة إلى السعي إلى الاعتراف الدولي والانخراط في التبادل الاقتصادي... إلخ.

 

 

غني عن البيان أن تحديد الانتماء إلى الحداثة بالنسبة إلى كيان سياسي، لا يصح ضمن لائحة شروط وتعريفات أكاديمية. لكن من جهة ثانية، لا يمكن إغفال الحقائق الساطعة التي ينطوي عليها «الدولة الإسلامية»، كوقوفه ضد الدول والمجتمعات القائمة وإعلانه ما يرقى إلى الحرب عليها، وهذا موقف مابعد حداثي وليس ارتداداً إلى مفاهيم القبيلة أو العصبية السابقة على الدولة الحديثة.

 

 

كما أن «داعش» بإعلانه عن نفسه كياناً أممياً لا يعترف بالحدود ولا بالانتماءات القومية، على ما يُفهم من كلام البغدادي في خطبته الشهيرة، يكون تجاوز المحددات المعروفة للدولة الحديثة إلى كيان أممي مابعد حداثوي يقوم على اتفاق أيديولوجي بين «مواطنيه» ولا يشكل تعبيراً عن مسار تاريخي اختاره «المواطنون» هؤلاء، وستكون مفاهيم مثل «المجتمع» والسلطة والسياسة بأسرها موضع إعادة نظر في دولة الخلافة.

 

 

فبحسب ما نعلم، جاء «داعش» نتيجة انهيار الدولة المركزية العربية (في العراق وسورية في المقام الأول) لكنه تغذى بالمقاتلين والمؤيدين من العديد من المجتمعات والجاليات العربية والإسلامية التي تتشارك كلها في المعاناة من أزمات الهوية والانتماء والثقافة والتهميش الاقتصادي والفقر، أي أنه تعبير عن أزمات تضافرت فيها عوامل داخلية وخارجية كثيرة تكفي لإبعاد صفة الحداثة عنه ووضعه في سياق الظواهر السياسية والاقتصادية والثقافية التي يشهدها العالم المعاصر.

 

 

«داعش» هو التعبير الأقصى عن أزمات الحاضر.