تساءل مسؤول كنسي: هل يدري مقاطعو جلسات انتخاب رئيس الجمهورية ماذا يفعلون وأي ضرر يتسببون به للبنان واللبنانيين، وإلى أين يذهبون بهم؟ إن عدم انتخاب رئيس قبل أن تنتهي الولاية الممددة لمجلس النواب سوف يعرّض البلاد لأخطار جسيمة ويضعها أمام الخيارات الصعبة ومنها الآتية:
أولاً: مواجهة مشكلة التمديد لمجلس النواب وهو ما تقضي به الضرورة حتى وإن كان هذا التمديد في نظر بعض رجال القانون غير قانوني وغير دستوري. واستمرار الخلاف على التمديد بعد تشرين الثاني يدخل البلاد في فراغ مجلسي تتعطل معه مصالح الوطن والمواطن.
ثانياً: مواجهة مشكلة اجراء انتخابات نيابية قبل الرئاسية وعلى أساس قانون الستين وهو ما يثير خلافاً بين من لا يؤيد اجراءها على أساس قانون مرفوض كونه غير عادل وغير متوازن، وقد لا تختلف نتائجها عن تلك التي أسفرت عنها انتخابات 2009 فيتكرر مشهد المجلس الحالي مع الانتخابات الرئاسية وتستمر أسباب عدم اجرائها لأن أياً من الاطراف لا يملك أكثرية الثلثين. ومن يعارض اجراءها يتمسك بالنص الدستوري القائل بعدم عمل أي شيء قبل انتخاب رئيس للجمهورية، عدا أن أحزاباً بارزة قد تقاطعها وعندها يطرح السؤال: هل يكون المجلس الذي ينبثق منها مجلساً شرعياً يمثل شتى فئات الشعب وأجياله، أم لا يكون كذلك؟ فاذا كانت الوصاية السورية على لبنان استطاعت شرعنة مجلس قاطع انتخاب 80 في المئة من الناخبين فلا أحد اليوم يستطيع ذلك. وماذا إذا لم تكن الحكومة قادرة على اجراء انتخابات نيابية بسبب الأوضاع الأمنية في البقاع والشمال وربما في مناطق أخرى والجيش وقوى الأمن الداخلي منشغلان في مواجهة هذه الأوضاع، إضافة الى ان المرشحين لا يستطيعون القيام بجولاتهم الانتخابية في أجواء متوترة؟
ثالثاً": إن استمرار الشغور الرئاسي وبعده احتمال حصول فراغ مجلسي إذا استمر الخلاف على التمديد وعلى اجراء الانتخابات النيابية، يجعل الدولة في لبنان دولة فاشلة تتعطل فيها أعمال كل السلطات وتصاب المؤسسات بالشلل، ولا تعود الاوضاع الامنية وحدها معرضة للانهيار إنما الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية أيضاً، فإذا ظلت صامدة حتى الآن فبفضل المظلة الدولية وبفضل المهنية العالية لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي لا يزال يطمئن الناس الى استمرار الاستقرار النقدي رغم أصوات "النعي" التي تطلع من ألسنة مسؤولين وسياسيين. لكن إذا دخل لبنان في الفراغ الشامل، فلا المظلة الدولية تظل قادرة على حماية الأمن والاستقرار ولا حاكم مصرف لبنان يظل قادراً على الامساك بالاستقرار النقدي والحؤول دون تحويل الليرة إلى دولار، ولا تأمين مصادر تمويل حاجات ما تبقى من الدولة بالعملات الأجنبية مع ارتفاع الفوائد وتزايد المديونية العامة، خصوصاً أن الاستحقاقات على الدولة ستكون كبيرة خلال السنة المقبلة، عدا أن صعوبات تواجه المصارف منذ الآن في المشاركة في الاكتتابات في انتظار معرفة نسبة الفوائد وآجال السندات.
الواقع ان استمرار الشغور الرئاسي واحتمال حصول فراغ مجلسي سوف يزيدان حال الحذر والترقب، وقد زاد تحذير لوزير المال علي حسن خليل من تردّي الأوضاع المالية العامة حال الحذر لدى الاسواق المالية التي تمر أصلاً بأجواء غير مستقرة، وجعل الاقبال محدوداً على سندات الخزينة بالليرة اللبنانية من قبل المصارف مع استمرار مصرف لبنان في إصدار شهادات الايداع وتغطية العجز في اكتتابات سندات الخزينة.
لقد مر أكثر من ثلاثة أشهر على الشغور في موقع الرئاسة الاولى ولا أحد يعرف مصير مجلس النواب عند انتهاء ولايته الممددة، كما أن أحداً لا يعرف مصير الحكومة إذا تمدد الشغور وكان الفراغ الشامل. فمن هو المسؤول ومن هو الذي جعل البلاد تعيش في ظروف استثنائية لتبرير التمديد لمجلس النواب مرة ثانية، أليس من يستمرون في مقاطعة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية بذرائع واهية، سواء كانت داخلية أو خارجية وانتظار الاتفاق على أي صورة ستعطى للبنان كي يتم اختيار رئيس ملائم لها؟ ويختم المسؤول الكنسي بالقول: إن معطلي جلسات انتخاب الرئيس لا يدرون ماذا يفعلون. إنهم يوجدون ظروفاً استثنائية تبرر التمديد لمجلس النواب أو تمنع اجراء انتخابات نيباية، ولا شيء يزيل هذه الظروف سوى حضور جلسات انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء ولاية المجلس الممددة ومواجهة مشكلة التمديد مرة ثانية إذا تعذر إجراء انتخابات نيابية كي تعود البلاد والمؤسسات فيها إلى مسارها الطبيعي، ولا يبقى انتخاب الرئيس خاضعاً لمبادرات هذا الطرف أو ذاك، بل لما نص عليه الدستور اي التئام المجلس لانتخاب رئيس للجمهورية فوراً والتزام النواب حضور الجلسة لا التغيب عنها من دون عذر شرعي وليس بخلق ظروف استثنائية تجعل المحظورات تبيحها الضرورات. فهل من صحوة ضمير للنواب المقاطعين كرمى للبنان واللبنانيين وخشية محاسبة التاريخ؟