تتهيَّب دول المنطقة دقّة المرحلة، نظراً إلى الغموض الذي يكتنف ماهية التحالف الدولي الذي يتكتّل تحت مظلّة مكافحة الإرهاب «الداعشي». تظهر على السطح فجأة مجموعة من الأسئلة التي لا يملك أيّ مسؤول عربي أو إقليمي أجوبة مقنعة في شأنها.
هل تَقتصر مهمّة التحالف على ضرب «داعش»، وتقليم أظافره، أم أنّ هناك طموحات سياسيّة، وإقتصاديّة، ونفطيّة إستيعابيّة؟ عدم توافر الوضوح فرضَ على الجميع مرحلة قاسية من الإنتظار المملّ لمعرفة ما يحمله وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري من أفكار وتصوّرات، ومشاريع تعكس الأبعاد والخلفيات.وفي ظلّ هذا الإنتظار المقلق، تتمدَّد الحرب الباردة من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، ويُهوّل الإتحاد الأوروبي بفرض عقوبات جديدة على موسكو، في وقت يستنفر إمكاناته للمشاركة في التحالف الدولي. هناك فاتورة باهظة تنتظر الدول العربيّة، سواء تلك المستقرّة نسبيّاً بفضل وجود منابع النفط، أو تلك التي تتَدَحرج بفعل إنتفاضاتها من السيّئ نحو الأسوأ.
تبدو المنطقة أشبه بجبهة مفتوحة على المجهول، من روسيا إلى إيران، ومن الخليج إلى المغرب العربي. يسارع الرئيس باراك أوباما إلى تبديد هذه الأفكار السود معلناً إغتباطه بالأرقام: هناك أكثر من أربعين دولة أعلنت رغبتها بالإنضمام إلى التحالف، فيما الخلافات المتفاقمة ما بينها أكثر من أن تُحصى نظراً إلى صراع المصالح، ولوجود كمٍّ من الملفات العصيّة على الحل. في مرحلة الإنتظار هذه، يحاول رئيس الحكومة تمّام سلام، ومعه كوكبة من السياسيّين والفاعليات إستكشاف الأجواء الأميركيّة - السوريّة.
طائرات الإستطلاع بدأت تمخر الفضاء السوري تحت شعار البحث عن «داعش»، وهناك بطاريات روسيّة على الأرض لصواريخ أرض - جو متطورة، متأهبة للإنطلاق فور الضغط على الزر.
وهناك كمّ من المعلومات التي تفتقر إلى الدقة والوضوح حيال تنسيق مخابراتي بين النظام والإدارة الأميركيّة، تقابله خشية ديبلوماسية من أن يكون «الحبل في أوكرانيا والولادة في سوريا» عند إنطلاق أول صاروخ لإسقاط طائرة أميركيّة، حتى لو كانت بلا طيّار.
قبل أن يتوجّه كيري الى المنطقة، سبقته «تسريبات» عن أنّ مهمّة التحالف الدولي مزدوجة: ضرب «داعش»، وأيضاً قوات النظام، وتعويم الجيش السوري الحرّ وتأهيله لقيادة المرحلة الإنتقالية الجديدة الآتية لا محال.
في المقابل، هناك مَن ينصح الحكومة اللبنانية بالإنفتاح على النظام للتعاون على إقفال ملف العسكريين المخطوفين، وحسم الوضع في عرسال وجردها لأنّ المراوحة تعني الإسترسال في الإستنزاف، وطاقات لبنان وإمكاناته لا تتحمّل، وإذا ما إنهار، عندها تصبح كل السيناريوهات السود قابلة للتطبيق.
كانت البعثات المستنفرة لتقديم أدق المعلومات حيال مهمّة كيري وماهيّة التحالف، قد أكدت للمعنيين أنّ «العقدة العصماء» هي سوريا، وليس «داعش». في دمشق، يستوي ميزان القوى بين موسكو وواشنطن. في دمشق، تقف طهران أمام حسابات جديدة أبعد من البرنامج النووي وحيدر العبادي وحكومته التي وُلدت قيصريّاً. دمشق هي بوابة لبنان بالنسبة إلى إيران، وبوابة نفوذها إلى مياه الجنوب الدافئة.
وعند عتبات دمشق يقف التاريخ والجغرافيا. قد يذهب العراق نحو الفدرلة بعدما إرتسمت الأقاليم بحدودها المذهبيّة والنفطيّة والأمنيّة، لكن «تشقيف» سوريا قد يؤدي إلى «تشقيف» لبنان والأردن، وإستطراداً دول الخليج.
ذات يوم، جاء من يقول لزعيم وسطي: «الشيعة لهم نفطهم في الجنوب، والمسيحيّون لهم نفطهم، والسنّة أيضاً، فما هو مصيركم أنتم، وأين المفرّ؟» وكان الجواب: «ماذا عن لبنان كوطن الأقليات، هل إنتهى دوره ولم يعد يشكّل حاجة دوليّة - إقليميّة؟»
ما بات واضحاً أن في مرحلة الإنتظار، تعقّدت المساعي الخاصة بملف العسكريين، وعاد صراع المحاور يُرخي بثقله على الساحة، وبدأ الشارع يتفلّت من إنضباطه، وبدأت عرسال تتحوّل ورقة إبتزاز مرتبطة بالواقع السوري وتطوراته، فهل من عناية خاصة بلبنان مرجوّة من التحالف الدولي، أم جاء لإستكمال مسلسل «التشقيف» تحت شعار تأديب «داعش»؟