الفلتان الذي شهدته البلاد في اليومين الأخيرين، وتحديداً في المناطق الشيعية منذ لحظة ذبح الشهيد عباس مدلج، أعاد طرح السؤال الآتي: هل «حزب الله» يستخدم الشارع للتهويل وانتزاع التنازلات من «14 آذار» والحكومة التي يشارك فيها، أم أنه فعلاً عاجز عن ضبط شارعه؟
الحملة التي استهدفت الحكومة من باب العسكريين المخطوفين ظالمة، لأن الحكومة قامت وتقوم بكل ما تستطيع القيام به من أجل تحرير المخطوفين، إلا إذا كان المقصود، وهو كذلك، جرّها إلى التنسيق مع النظام السوري ودفعها إلى تغطية قرار الدخول في مواجهة مع المسلّحين في جرود عرسال.فهناك من يقول إن منع الفتنة يكون بالتصدّي للإرهابيين وبعدم الخضوع لابتزازهم، ولكنّ كلفة هذه الخطوة ستكون كارثية على لبنان بدءاً من قتل العسكريين، وصولاً إلى مواجهة مفتوحة واستنزاف طويل لا يمكن توقع انعكاساته على وضع البلد، غير أنه يمكن تصوّر مدى ارتداداته، فإذا كان قتال «حزب الله» في سوريا قد استجلب الإرهاب إلى لبنان، فكيف بالحري سيكون الوضع عليه في حال التنسيق مع النظام السوري؟
ومن ثم أليس من مصلحة لبنان في هذه المرحلة البقاء في موقع الدفاع لا الهجوم، ورد الفعل لا الفعل، بانتظار ما سيفضي إليه التحالف الدولي ضد «الدولة الإسلامية»؟
وهل يمكن تصوّر ماذا يعني إخراج «داعش» من العراق واستمرارها في سوريا، مع ما يعني ذلك من احتمالات اندفاعها باتجاه لبنان من دون ذريعة، فكيف في حال تم توفير هذه الذريعة لها؟
فالعدّ العكسي لاستهداف «داعش» في العراق بدأ جدياً بعد تكوّن طبقتين: طبقة التوافق الداخلي على شكل النظام في العراق الذي يجمع كل المكونات من دون أي استثناء، وطبقة الهجمات الدولية الجوية التي تترافق مع عمل عسكري على الأرض تتقدمه الصحوات والعشائر السنية، فيما الوضع في سوريا سيبقى معلّقاً بانتظار التوافق على طبيعة المرحلة المقبلة، الأمر المستبعد قريباً، وبالتالي سيدخل لبنان، بعد اقتلاع «داعش» من العراق، في مرحلة محفوفة بالمخاطر.
ومن هذا المنطلق لا مصلحة للبنان بتحريك أي ساكن في هذه المرحلة، فيما كل ما عليه فعله أن يبقى مستنفراً، وبالتالي تحريك الشارع لدفع الحكومة نحو اتخاذ قرارات تسعِّر المواجهة بدلاً من تهدئتها سيجرّ لبنان إلى حرب أهلية، ويفترض أن يكون «حزب الله» قد أيقن بأن المكون السنّي في لبنان اختلف بعد الثورة السورية عمّا قبلها، ولا ضرورة للتثبّت في كل مرة من هذا الواقع، إذ إنّ إقفال أيّ طريق سيُردّ عليه بإقفال طريق أخرى، وأيّ خطف سيقابله خطف مضاد، وهكذا دواليك.
فالوضع السنّي-الشيعي اليوم شبيه بالوضع المسيحي-الإسلامي عشية الحرب الأهلية، وإذا كانت الاتصالات والمعالجات ما زالت تفعل فعلها، فلا أحد يستطيع أن يضمن خروج الأمور عن السيطرة.
وإزاء ما تقدّم ثمة من يقول إن «حزب الله» يلعب كعادته لعبة حافة الهاوية، إذ يهوّل على «14 آذار» من باب أنّ الأوضاع تنزلق نحو الحرب من أجل جرّها إلى التنازل، مقابل من يقول إن الحزب غير قادر فعلاً على ضبط شارعه، وفي القولين هناك جزء من الحقيقة، لأن البيئة الشيعية تقف خلف الحزب في مسألة المقاومة، ولكن في المسائل الأخرى لها حسابات أخرى، فيما «حزب الله» لا مصلحة له بالاصطدام في بيئته لحاجته إلى غطائها في ظل الكلفة العالية التي تتكبّدها من قتاله في سوريا، ولكنه في الوقت نفسه يترك الأمور تتفاقم قبل أن يتدخل في محاولة أيضاً لاستثمار هذا الواقع.
ولكن في الحالتين، أي في حال وقوفه خلف التحرّكات داخل مناطقه، أو في حال كانت هذه التحرّكات عفوية، يتحمّل مسؤولية كل ما يصدر عن شارعه، وأيّ تبرير آخر ليس في محلّه، لأن ضبط بيئته المسلّحة هو من مسؤوليته بالدرجة الأولى بعيداً عن أيّ أسباب تخفيفية.
وأما الحكومة التي تشكّل مطلباً وطنياً فيحاول «حزب الله» تحويلها إلى مساحة للضغط على «14 آذار»، فيما يفترض أن تكون عملياً مكاناً للضغط على الحزب الذي من مصلحته القصوى والاستراتيجية استمرار هذه الحكومة، لأنّ من دونها يفقد الغطاء السنّي المعتدل، كما أن طهران التي دفعت باتجاه إشراك المكوّن السنّي في العراق، لن تسمح للحزب بالعودة إلى ما قبل هذه الحكومة في لبنان.
ويبقى أن لا حرب أهلية في لبنان لمجموعة اعتبارات داخلية وخارجية، والوضع ما زال تحت السيطرة، و«حزب الله» سيكون أول من سيدفع كلفة لعبة حافة الهاوية في حال واصل اتباعها.