لم يكن التهجم على اللاجئين السوريين وضربهم والسعي الى طردهم من بعض المناطق كرد فعل على اعدام تنظيم داعش الجندي اللبناني عباس مدلج اقل وطأة من المأساة التي مثلتها هذه الخطوة على المستوى الانساني في الدرجة الأولى . لكن المشاعر الغاضبة التي لا يمكن لجمها والتي يمكن ان تتفلت من دون القدرة السياسية او ربما ايضاً من دون الرغبة في ضبطها سعياً الى تنفيس الاحتقانات، قد ترتب اثمانا باهظة على لاجئين سوريين لا ناقة لهم ولا جمل في ما يمارسه السوريون الذين خطفوا جنودا من الجيش اللبناني.
تبرز من التطورات الاخيرة التي تفاعلت منذ السبت الماضي على اثر نشر صورة الجندي الشهيد معادلة مقايضة خطيرة ما دامت الحكومة عاجزة ورافضة للدخول في هذا المبدأ. وقوام هذه المعادلة "العسكريون مقابل اللاجئين" الذين سيكون أمنهم وامانهم معلقين بنسبة كبيرة ابتداء مما حصل اخيرا على تطور ملف العسكريين سلباً او ايجاباً. لا تطرح الحكومة هذه المعادلة ولا اي من القوى السياسية على اختلافها والجميع يرفضونها، لكن يخشى ان تفرض هذه المعادلة نفسها بحكم الامر الواقع ان من خلال طرد اللاجئين من مراكز لجوئهم او من خلال تشجيع عملية خطف السوريين في لبنان. وكان وزير الداخلية نهاد المشنوق حذر من احتمالات هذه المعادلة في مرحلة سابقة. لكن التحذير الكلامي يختلف عن التنفيذ الواقعي الذي شهده الشارع في بعض المناطق في عطلة الاسبوع . هناك رفض علني جامع لهذه المعادلة على الصعيدين الرسمي وغير الرسمي ، كونها تعقد المشهد في لبنان من جهة وتساهم في تعزيز حال الفلتان والفوضى بما قد يهدد استقراره ويدفعه اكثر في انزلاقات خطيرة . لكن رب من قد يجدها ناجعة في مكان ما من اجل افهام الخاطفين ان مطلب حماية النازحين او اللاجئين السوريين، خصوصاً باعتباره مطلباً معلناً من جانبهم على الاقل، لا يمكن ضمانه في ظل الوضع القائم وانه في مقابل استهداف اي عسكري سيكون هناك مزيد من استهداف السوريين الابرياء الذين سيدفعون الاثمان من دون قدرة رادعة للدولة اللبنانية في هذا الاتجاه . وفي الوقت الذي يحرج هذا الامر الحكومة على صعد عدة، اضافة الى التزاماتها امام الخارج بحماية اللاجئين ومساعدتهم وتوفير الامان لهم ، فإن ثمة من يخشى الا يكون التنظيمان الخاطفان للعسكريين يأبهان للاجئين من مواطنيهم ما لم يكن من بينهم من هو مهم بالنسبة اليهم فعلاً. في حال التسليم جدلاً بان واقع الصراع القائم راهناً هو مع التنظيمين الخاطفين للعسكريين اللبنانيين علماً ان للصراع تفرعات اخرى وهناك مصالح متضاربة لافرقاء كثر.
في أي حال، ثمة مخاوف مشروعة لدى سياسيين كثر وبناء على معطيات تفيد بازدياد تعقيد موضوع خطف العسكريين وربما بتضاؤل الاحتمالات باي انفراج على هذا الصعيد في المدى القريب او ايضاً بناء على احتمالات بقتل عسكري آخر من الطائفة الشيعية او من الطوائف الاخرى من اشتعال مشاعر "عنصرية" ضد اللاجئين السوريين لن يكون هناك اي قدرة على ضبطها. لكن لعلها تكون في شكل من الاشكال، وفق ما يرى البعض، بديلا اخف وطأة نسبيا من فتنة سنية شيعية في لبنان خاف كثر من احتمالاتها بعد قتل العسكري مدلج، فلم يكن من مجال سوى توجيه الغضب ضد السوريين بدلاً من توجيهه في الاطار الطائفي او المذهبي علماً ان اشتعال المواجهات بين اللبنانيين والسوريين في لبنان في حال حصولها، لن يكون اقل من حرب اهلية من نوع آخر.
فقد ارتكبت القوى السياسية جميعها وان بنسب متفاوتة باعتبار ان الافرقاء المشاركين في الحكومة السابقة يتحملون مسؤولية مضاعفة، خطيئة عدم تنظيم لجوء السوريين الى لبنان منذ بدء الازمة السورية. اعتقدت الطائفة السنية ان كل اللاجئين السوريين هم من أبناء الطائفة الذين هربوا من الحرب التي شنها نظام الاسد لكي تفاجأ ويفاجأ معها اللبنانيون بالالاف منهم يصوتون لهذا الاخير في مراكز اقيمت لهم في لبنان. ورغب "حزب الله" في رد الجميل للسوريين الذين استقبلوا اهالي الجنوب الذين هجروه في حرب تموز 2006. فيما المسيحيون الذين يخشون وفق ما اعلنوا اقامة مخيمات تذكرهم بالمخيمات الفلسطينية في لبنان التي لم يعد في الامكان ازالتها لم يدفعوا في اتجاه تنظيم دخول اللاجئين وتوزيعهم بل رفضوا ذلك. فكانت النتيجة توزعهم وانتشارهم على نحو عشوائي في كل المناطق والاحياء والابنية بما بات يشكل مخاطر كبيرة نتيجة عدم امكان تحديد اللاجئين الفعليين منهم من اولئك الذين يعبثون بامن لبنان واستقراره او يشكلون خطرا عليه. ولبنان ككل تجاهل احتمال ان يرسل نظام الاسد الى لبنان مليونا او اكثر من السوريين في اطار محاولة تعزيز وضعه من خلال تهديد وضع لبنان وفقا للاوراق التي دأب على لعبها على هذا الصعيد.
في أي حال، اطلق خطف العسكريين نذيرا اقوى في شأن اللاجئين السوريين في لبنان. وثمة مداهمات يقوم بها الجيش اللبناني راهنا للكثير من مراكز تجمعات السوريين في الجرود او في مناطق عدة حيث تثار شبهات حولهم ما يرفع نسبة التحديات التي تواجه لبنان في هذه المرحلة.