ضرب إعدام الجندي الشهيد عباس مدلج على يد مسلحي التنظيم الإسلامي المتطرف "داعش" كل الآمال التي كانت انتعشت بإمكان التوصل الى حل لأزمة العسكريين المختطفين، تقي البلاد شرور الفتنة المذهبية التي يجري الإعداد لها باتقان وتخطيط مسبق.
إذا كانت ردود الفعل الرصينة والمسؤولة لعائلة الجندي الشهيد، على رغم الفاجعة التي اصابتها، قد ساهمت الى حد بعيد في احتواء أجواء الغضب والاحتقان، فأبعدت النار عن فتيل الانفجار الطائفي الملتهب، فإنها حتما لم تسحب صاعق التفجير الموقوت على وقع التطورات المتلاحقة، ومدى قدرة الدولة والقوى السياسية المتمثلة فيها على الاضطلاع بدورها وتحمل مسؤوليتها حيال الخطر الداهم.
هذا الوضع، معطوفا على جملة من المعطيات التي تحكم الأداء السياسي والعمل المؤسساتي في البلاد، يدفع مرجع سياسي بارز الى التشاؤم حيال مستقبل لبنان الدولة والنظام، كاشفا ان مشكلة لبنان لم تعد مشكلة أشخاص بل أصبحت أزمة نظام "مكربج" غير قابل للحكم وتكوين السلطة وإنتاج حياة سياسية فاعلة.
ويأسف هذا المرجع لما آلت اليه نظرة الغرب الى لبنان والنموذج الذي لطالما شكله بالنسبة اليه. يقول: "آلمني أن استمع الى سفير غربي زارني أخيرا وعرض أمامي أوضاع المنطقة، عندما قال لي ان العراق وسوريا يسيران نحو النموذج اللبناني. وعندما استفسرت منه ماذا يعني بقوله هذا، أجابني انه يقصد نموذج ضعف الحكم والسلطة والارتهان للتدخل الخارجي. أزعجني ان يتحول لبنان من نموذج للديموقراطية، والتعايش الذي يشكل أبرز نقاط قوته وصموده الى نموذج لوصف حالات الضعف والتراجع".
لا يوافق المرجع المذكور على مقولة ان انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الحل للأزمة. ويضيف: "صحيح ان الانتخاب يجب ان يكون أولوية ضمن رزمة الحلول المطلوبة لمواجهة الأزمة القائمة، لكن حتى انتخاب الرئيس لن يمثل حلا لنظام "مكربج".
على رغم ذلك، لا يرى المرجع في الافق ما يؤشر الى احتمال انتخاب رئيس قبل الاستحقاق النيابي، ويذهب ابعد الى القول ان الأولوية الموازية للموضوع الأمني تتمثل بالتمديد للمجلس النيابي مبديا اقتناعه بأن التمديد سيسهل الاستحقاق الرئاسي، باعتبار ان القوى السياسية ستطمئن الى توازناتها الداخلية وتتفرغ للاستحقاق انطلاقا من هذا الواقع.
لكنه على رغم ذلك، يستبعد حصول انتخابات رئاسية "على البارد". فباستثناء انتخاب الرئيس الراحل شارل حلو، لم يشهد لبنان انتخابات رئاسية باردة.
ولا يخفي المرجع المذكور خشيته التطورات الدراماتيكية للوضع الأمني، محذرا من خطورة الشحن المذهبي الرامي الى وضع الطوائف المحمدية في وجه بعضها البعض، والطائفة السنية في مواجهة ما بينها من خلال وضع اللبنانيين في وجه "داعش" من جهة والنازحين السوريين من جهة أخرى، فهذا سيستدرج لبنان في رأيه الى حرب أهلية معروف متى تبدأ ومجهول متى تنتهي!