عندما قامت ثورات في دول عربية وُصفت بـ"الربيع العربي"، أبدى البطريرك الكاردينال الراعي تخوفه من أن تنتهي إلى أنظمة متشددة طائفياً وأن يؤول مشروع الشرق الأوسط الجديد إلى تقسيم دول المنطقة دويلات طائفية وعرقية، وقد تعرض قوله هذا لانتقادات خصوصاً من الذين كانوا يعتبرون هذه الثورات "ربيعاً عربياً" حقيقياً يخرج دول المنطقة من الانظمة الشمولية إلى الانظمة الديموقراطية. وكان الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قد أعلن أن أميركا تعمل مع إسرائيل على التحريض المتعمد على الفتنة والتقسيم بين المسلمين، مشيرا الى أن الحرب الأميركية على العراق زادت التوترات الطائفية، وأن هدف الرئيس الاميركي هو رسم خريطة جديدة للمنطقة، وأعرب عن انتقاده ان الاميركيين يريدون تقسيم دول المنطقة وهو تقسيم قد يطاول الدول الافريقية الشمالية فتصبح اسرائيل عندئذ أقوى دولة في منطقة تجزأت إلى دول طائفية واتنية فيكون هذا هو الشرق الاوسط الجديد.

وقال الرئيس بشار الاسد في لقائه "الاحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية" (نيسان 2013) "إن مخططات خارجية تسعى إلى خلق "سايكس – بيكو" جديد يقسم المنطقة على أساس طائفي ومذهبي وعرقي". وقال نائب في البرلمان الفرنسي إن بعض الصقور الأميركية والاسرائيلية تقوم بتأجيج الصراع الديني للاقليات العرقية في المنطقة بهدف إعادة تشكيلها من جديد. وفي مقال نشر في مجلة القوات المسلحة الأميركية عام 2006 اشار الى رؤية المحافظين في الادارة الاميركية لضرورة اعادة تقسيم الشرق الاوسط انطلاقا من تركيبته السكانية القائمة على الاديان والمذاهب والقوميات والاقليات حتى يعود السلام إليه ونموذجه في ذلك هو دولة اسرائيل القائمة على الدين. واعترف الجنرال عاموس بادلين الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الاسرائيلية بأن جهازه نشر شبكات وخلايا تجسسية كثيرة في بلدان العالم العربي ومنها ليبيا، وفي افريقيا ايضا تنفيذا لخطة تفتيت الوطن العربي وهو هدف اميركي – صهيوني، بدأ تنفيذها مع ادوات داخلية لخلق فوضى عبر استغلال الاحتقان في بعض الدول العربية نتيجة انسداد الافق امام الجماهير الشعبية، وخصوصا قطاع الشباب وتفشي الفساد والبطالة وغياب العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بين المواطنين، بحيث ان ما جرى ويجري في العالم العربي ليس مصادفة بصرف النظر عن نيات الاطراف الداخلية. وفي البحث الذي كتبه الصحافي البريطاني جوناثان كوك عام 2008 كشف عن الدور الذي لعبته اسرائيل في إذكاء الصراع بين الحضارات ولا سيما في البلدان الاسلامية لإعادة صوغ الشرق الاوسط على نحو مؤات لها ولمصالحها. ويؤكد كوك ان الحرب الاهلية ودعوات التقسيم التي رافقتها كانت الهدف الاول لغزو العراق، وان الانقسامات الطائفية والدينية والعرقية تشكل المواصفات المثالية للدولة العراقية في نظر اسرائيل اذ تعتبر ان من يسيطر على العراق يتحكم استراتيجيا في الهلال الخصيب وبالتالي في الجزيرة العربية ومواردها الضخمة. الواقع ان اصحاب مشاريع التقسيم يستخدمون كل الوسائل والاساليب لتحقيق هدفهم، وقد يكون بدأ تنفيذها من خلال التغييرات والثورات الداخلية والفوضى والاقتتال الداخلي، وما المشهد العراقي والسوري والليبي واليمني سوى خير مثال.
ويقول النائب مروان حماده في حديث له إن صديقه وزير الخارجية الفرنسي السابق برنار كوشنير عندما كان يتناول العشاء معه ومع النائب وليد جنبلاط في بيروت وكان آتيا من كردستان قبل حصول القصف الاميركي، قال بأن انشاء الدولة الكردية اصبح منتهيا ومكرسا، ومع تخوف ايراني من ظاهرة "داعش" بدأت ترتسم عناصر مشتركة للدولة الكردية. لذا يمكن القول إن الطيران الاميركي يرسم الحدود الجديدة لدويلات المنطقة، وان الحرب في العراق بدأت تنتج كونفيديرالية.
ثمة من يقول ان التجربة بدأت في العراق، فإذا نجح حيدر العبادي في تأليف حكومة تحظى بقبول وطني واسع لانقاذ البلاد من اخطار الارهاب والحرب الطائفية والتقسيم، فإن هذا النجاح يكون نموذجا يعتمد في دول اخرى مثل سوريا واليمن وليبيا، ويكون الشرق الاوسط الجديد بدأ بناؤه على اساس قيم دول بأنظمة ديموقراطية في اطار فيديرالية او كونفيديرالية وتمنع التقسيم. أما اذا لم تنجح التجربة في العراق على رغم التوافق السعودي – الايراني – الاميركي، فإن فكرة التقسيم تعود بدءا من العراق، وإن كان قد بدأ في السودان ولم يشعر به أحد.
لقد فشلت الشعوب العربية في العبور بالدولة من حالة تجمعات عشائرية وطائفية الى حالة الدولة الوطنية المبنية على اساس المواطنة، وان الثورات العربية لم تستطع حتى الآن منع تفتيت الدول في المنطقة لأن عدوى الطائفية أصابت المناعة الوطنية.