لو قدر للروائي الكولومبي غابريل غارثيا ماركز، ان يولد في لبنان وان يعيش معنا هذه الأيام وما نحن عليه، كان يكفيه سرد ممارسات المسؤولين اللبنانيين، وتجميع تصاريحهم وخطبهم وافعالهم ومقابلاتهم التلفزيونية والاذاعية وبيانات مكاتبهم الإعلامية وبدون أي حاجة الى زيادة او نقصان لتأليف رواية ضخمة, انا على يقين بانها ستتفوق باشواط على روايته العالمية " الحب في زمن الكوليرا"،
واستطيع ان أتصور ان واحدة من فصول هذه الرواية سيكون بعنوان " هيبة الدولة " ..
وسيكون حتما هذا الفصل هو من اجمل فصول الرواية وأكثرها اضحاكا، ففي الوقت الذي تعاني الدولة عندنا ما تعانيه من تشلخ وتمزق وتشرذم، فلا رئيس للجمهورية ولا مجلس نيابي ولا اقتصاد ولا ماء ولا كهرباء ولا امن ولا الحد الأدنى من مقومات ليس الدول فحسب بل لا يوجد الحد الأدنى لمكونات القبيلة او العشيرة، ففي خضم كل هذا ينبري الينا فريق سياسي يتمتع بحس فكاهي عالي المستوى ليحدثنا بدون خجل ولا وجل عن رفضه للتفاوض مع الإرهابيين بخلفية المحافظة على هيبة الدولة
وما يزيد من هضامة المشهد هو ان الفريق عينه الذي يسلينا حاليا ويروي لنا بشكل شبه يومي عن مزحة هيبة الدولة ويسرد لنا قصص خيالية لا تخلو من غرابة وتشويق وكوميديا انما يمارس كل هذا التهريج المونولوجي وهو يقف على جسد الدولة العارية ويطأها بقدميه ويمسح حذائه في وجهها، واذا ما حاولت تلك المسكينة ان تتأوه لتعبّر عن وجعها يعاجلها بوضع " صباطه " في "نيعها " لا ليسكتها به فقط وانما ليخنقها ويسد عنها كل إمكانية للتنفس
ولان الرواية الجديدة هذه يجب ان تتمتع بإخراج حديث يتلاءم مع متطلبات العصر فلا بأس بتمرير نكات قصيرة بين كل فصل واخر ،، واحدة من هذه النكات هو هذا الخبر ( وفي تاريخ 4/9/2014 اقدم الرئيس نبيه بري على تقديم ترشحه للانتخابات النيابية التي لن تحصل )
يبقى الإشارة هنا وبناءا على ما عودنا عليه أسلوب الكاتب في اختيار عناوين رواياته من وحي الواقع خاصة اذا ما كانت تتناول سرد للاحداث التي تحصل من حوله، فان العنوان المفترض والمنسجم بشكل كبير مع المضمون ويختصر كامل فصولها وتفاصيلها هو : الفكاهة في زمن الدم .