لا يبدو ان لبنان الحديث مر بمحنة اقسى واصعب من المحنة التي يمر بها الان . فلبنان كله الرسمي والشعبي وبكافة مؤسساته السياسية والعسكرية والامنية يقف عاجزا عن اتخاذ قرار بمستوى المشكلة المعقدة التي تواجهه ويمكنه من التصدي لهذه المحنة التي يتعرض لها والتي تهدد بانعكاساتها الخطيرة على النسيج الاجتماعي الذي يشكل احد اهم مكونات المجتمع اللبناني ويعتبر احد اعمدة الكيان .وتعبيرا عن هذا الواقع يصف مرجع سياسي المشهد اللبناني بانه (( حساس ودقيق جدا نظرا لما يترتب عليه من اخطار تهدد لبنان في كيانه ونظامه وصيغة العيش المشترك فيه )). فالبلد يرزح تحت ضغط مجموعات ارهابية / داعش ــ النصرة / تعتقل مجموعة من العسكريين وتهدد بقتلهم تباعا اذا لم تتجاوب الحكومة مع مطالبهم ,وقد بدأت بتنفيذ تهديدها عندما اقدمت وبصورة مروعة على ذبح العسكري علي السيد , وفي الجهة المقابلة هناك اهالي يتحرقون على مصير ابنائهم ويطالبون الدولة بالتحرك سريعا لاستعادتهم احياء , وما بين هذا الضغط وذاك ترتفع اصوات لبعض السياسيين تزايد في تحذيرها من مغبة التفاوض مع هذه الجماعات الارهابية وما قد يتركه هذا التفاوض من آثار سلبية على سيادة الدولة وهيبة المؤسسة العسكرية وكرامة الوطن .
وما يزيد الامور سوءا وتعقيدا هو تعاطي بعض المؤسسات الاعلامية مع هذه المشكلة الحساسة والمعقدة ,فلا تراعي مشاعر المواطنين وتستخف بحجم الكارثة الانسانية التي يتعرض لها البلد وبالتالي لا تلتزم بمعايير السرية التي قد تكون مطلوبة في مثل هذه الظروف الدقيقة .
والجانب المقلق في هذا السياق هي المشاعر الطائفية التي تطغى على اي تفكير بالعقل والمنطق وتؤجج مشاعر الاحتقان الطائفي والمذهبي وتؤسس لفتنة هي اساسا مطلوبة لهذا البلد .
ومع خطورة هذا الوضع فاننا نرى القوى السياسية تتلهى بملفات داخلية ثانوية وفق حسابات ضيقة واجندات خارجية فيما يعيش لبنان اصعب واعقد مرحلة من تاريخه . فكل هذا لا يخدم قنوات التفاوض المفتوحة والتي تحتاج الى مناخ مؤات وهاديء وبعيد عن الضوضاء ليوصلها الى خواتيمها السعيدة . فالمطلوب درجة عالية من الوعي لدى جميع القوى الفاعلة كي تدرك اخطار المرحلة التي تمر بها البلاد ووقف مشهد المزايدات والاستخفاف بالاستحقاقات الداهمة وبالتالي فعلى مجلس الوزراء التحرك سريعا وان يحسم امره ويعتبر ملف العسكريين المخطوفين بندا وحيدا على طاولة البحث في جلسات غير منقطعة ويقوم بتكليف لجنة لمتابعة هذا الملف الخطير بسرية تامة وبعيدا عن الضوضاء والمزايدات الفارغة ,فالتردد لا يجدي نفعا في مثل هذه المشاكل .(( ان فساد الرأي ان تترددا )) .
طانيوس علي وهبي